(19) - الكلام على قوله تعالى: {وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١٣ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٤}
  مُتَوَسِّطًا، بَلْ هُوَ: إِمَّا شَيءٌ لَا يُعْقَلُ وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَإِمَّا مَحْضُ الْجَبْرِ، وَقَدْ أَعْيَاهُمْ تَفْسِيرُهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ مَعْقُولٍ.
  وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الأَشْعَرِيُّ الْفِرَارَ مِنْ لَوَازِمِ الْجَبْرِ، الَّذِي مَعْنَاهُ: إِبْطَالُ الثَّمَرَةِ مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَإِضَافَةُ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَكُلِّ قَبِيحٍ إِلَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ {سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ١٠٠}[الأنعام].
  وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ البَحْثَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ فِي (لَوَامِعِ الأَنْوَارِ)(١) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ -، وَاللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ(٢).
  (١٩) الكلام على قوله تعالى: {وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١٣ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٤}[السجدة]:
  قَالَ البَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ في (ص/٥٤٩): «{لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١٣}، وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ؛ لِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبْقِ الْحُكْمِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَا يَدْفَعُهُ جَعْلُ ذَوْقِ العَذَابِ مُسَبَّبًا عَنْ نِسْيِانِهِم العَاقِبَةَ وَعَدَمَ تَفَكُّرِهِمْ فِيهَا بِقَوْلِهِ: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ} فَإِنَّهُ مِنَ
(١) (لوامع الأنوار) للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # (الفصل الثاني) (ط ١/ ١/٢٣٧)، (ط ٢/ ١/٣٠٩)، (ط ٣/ ١/٤٩١).
(٢) اعلم أيها المسترشد الكريم أَنَّ الكسب - عند أهل اللغة - هو: إحداثُ الفعل؛ لطلبِ نفعٍ يعودُ إلى الفاعل، أو لدفعِ ضررٍ عنه. وأمَّا في الاصطلاح، فاعلم أنَّ الكسبَ غير اللغوي من ابتداعات أبي الحسن الأشعري، وقد اضطرب رأيه، ورأي أصحابه في تحديد ماهية الكسب، ولم يأتوا بطائل في هذا المقام، وأن الكسب الذي يَدَّعيه هو ومن وافقه من أصحابه الأشاعرة ويتمعذرون به، إنَّما هو من الدعاوى الفارغة، والتمويهات الساذجة التي لا حاصل لها، ولا فائدة تحتها، بل هو من الأمور التي لا تُعْقَلُ ولا تَحققَ لها. قال في (الكاشف الأمين شرح العقد الثمين): «واعلم أنَّ العدلية لم يزالوا في كلِّ عصرٍ يطلبونهم يحدونه حَدًّا صحيحًا واضحًا، فلم يأتوا له بحدِّ صحيح، ولا برهان صريح، وإنما اضطربت أقوالُهم فيه اضطراب الأرشية في البئر، واختلفت اختلافَ الماشية في السير».
وقال بعض العدلية: لوسئلوا عن كلِّ جُزءٍ من أجزاء الفعل، فإن كان من الله فهو الجبر، وتعطل معنى الكسب والجزءِ الإختياري، وإن كان من العبد فهو مذهب أهل العدل، فليس لهم جواب عن هذا السؤال، إلَّا بالجبر أو العدل، وما زادوا على تفسيره بالمحَلِيَّة، وما خرجوا عن زمرة الجَبْرِيَّة. انتهى.