مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(23) - الكلام على قوله تعالى: {وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ ٩٦}:

صفحة 624 - الجزء 1

  أَوْ: عَمَلَكُمْ، بِمَعْنَى مَعْمُولِكِمْ؛ لِيُطَابِقَ {مَا تَنۡحِتُونَ ٩٥}⁣[الصافات].

  أَوْ: أَنَّهُ بِمَعْنَى: الْحَدَثِ؛ فَإِنَّ فِعْلَهُمْ إِذَا كَانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِم كَانَ مَعْمُولُهُم الْمُتَوَقِّفُ عَلَى فِعْلِهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا عَلَى خَلْقِ الأَعْمَالِ، وَلَهُمْ أَنْ يُرَجِّحُوهُ عَلَى الأَوَّلَيْنِ؛ لِمَا فِيهِمَا مِنْ حَذْفٍ أَوْ مَجَازٍ».

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مَجْدالدِّين الْمُؤَيَّدِيُّ #: يُقَالُ: الْحَذْفُ وَالْمَجَازُ وَارِدَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَلَامُ الْعَرَبِ مَمْلُوءٌ مِنْهُمَا.

  وَلَكِنْ جَعْلُ عَمَلِهِم مَخْلُوقَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ عِبَادَتَهَا، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ عِبَادَتَهَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ؟!.

  فَأَيُّ صِحَّةٍ لِلإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ فِي شَيءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِم؟

  فَهَلْ هَذَا إِلَّا بِمَثَابَةِ أَنْ يَكْسِرَ السَّيِّدُ الإِنَاءَ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى عَبْدِهِ كَسْرَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: لِمَ تَكْسِرْهُ، وَأَنَا الَّذِي كَسَرْتُهُ؟، ثُمَّ يُعَاقِبُهُ عَلَى كَسْرِهِ أَشَدَّ العِقَابِ، وَيُعَذِّبُهُ أَعْظَمَ العَذَابِ. هَلْ يَفْعَلُ هَذَا عَاقِلٌ حَكِيمٌ؟!، فَكَيْفَ بِرَبِّ العَالَمِينَ، وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ⁣(⁣١).


(١) ولله دَرُّ العلامة المحقق إسحاق العبدي ¦ حيث يقول في (إبطال العناد) (ص/٧٨): «مما يتشبث به إخوانُ الجبرية من الأدلة القرآنية: قوله تعالى: {وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ ٩٦}⁣[الصافات]، أي: خلقكم وخلق عملكم، ولهم في تحرير الاحتجاج بها طرق مختلفة، وترويجات منكشفة، واللَّهِ لو أنَّ أحداً أخبرنا عن عالم بل عن عاقل أنَّه يذهب إلى الاستدلال بهذه الآية على خلق الأعمال؛ لرأينا أنْ نُسارعَ إلى تكذيبه، أو نحكمَ بعدم تمييز المنقول عنه؛ لأنَّ من الواضح البين، والمفهوم المتعين أَنَّ أول الآية هذه يُنَادي بالتقبيح لفعل المشركين والإنكار، لا للترويج لهم والاحتجاج على مقصودهم أو الاعتذار، وكيف يذهب على أحد أنَّ إبراهيم # يناقض إنكاره؟ فيكون قوله هكذا: أتعبدون ما تنحتون، لكن لا لومَ عليكم؛ لأَنَّ الله تعالى خَلَقَكُم وَخَلَق مَا تعملون، وَأَنَا إلى الآن ما عرفتُ وَجْهَ صدورِ مثل هذا الاستدلال من أُنَاسٍ يزعمون أَنَّهُم يعرفون العربية، وَأساليب الكلام؛ بل يعرفون مجرد التخاطب بين الأنام، ويفرقون بين الاستفهام الاستنكاري، والإخبار التقريري؛ فإن كل عاقل يقرأ القرآن يعلم من أول وهلة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: تعبدون أحجارًا من دون الله تعالى ولا تعبدون الله الذي خلقكم وخلقها؟ واللَّهِ إنَّ هذه الآية مما عرفناه هكذا ونحن في المكتب قبل معرفة المذاهب والمشائخ وقبل بلوغ الحلم، إلخ كلامه.