مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 646 - الجزء 1

  كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ⁣(⁣١).

  وَعِنْدَ الإِمَامِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ لِظُهُورِ الشَّهَادَتَيْنِ فِي البَلَدِ مِنْ غَيْرِ جِوَارٍ، فَتَكُونُ دَارَ إِسْلَامِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهَا الْخَصْلَةُ الْكُفْرِيَّةُ مِنْ غَيْرِ جِوَارٍ.

  وَالْمُخْتَارُ كَلَامُ الإِمَامِ الْمَنْصُورِ بِاللَّهِ #، أَنَّ الإعْتِبَارَ بِالشَّوْكَةِ.

  وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ بَعْدَ الفَتْحِ، وَكَانَ فِيهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ بِغَيْرِ جِوَارٍ.

  إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَقَدْ نَصَّ أَعْلَامُ أَئِمَّتِنَا كَالْقَاسِمِ وَالْهَادِي وَالنَّاصِرِ $ أَنَّهَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَعَنْ دَارِ الْفِسْقِ، وَهْيَ: مَا ظَهَرَ فِيهَا مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِالْفِعْلِ.

  قَالَ الْمَنْصُورُ بِاللَّهِ: وَهْوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ $.

  قَالَ فِي (اللُّمَعِ)⁣(⁣٢): وَإِلَّا فَسَقَ بِالإِقَامَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ}⁣[النساء/١٤٠].

  وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ يَكْفُرُ مَنْ سَاكَنَ الْكُفَّارَ عِنْدَ القَاسِمِ وَالْهَادِي.

  قَالَ الْمَنْصُورُ بِاللَّهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الوُقُوفَ مَعَهُم؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ عَلَى نَفْسِهِ الْكُفْرَ.

  قَالَ فِي (مُهَذَّبِهِ): وَكَانَ وُقُوفُهُ مَعَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.

  وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ إِلَى خَلِيٍّ عَمَّا هَاجَرَ لِأَجْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَالِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى مَا فِيهِ دُونَ مَا هَاجَرَ لِأَجْلِهِ.

  وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، كَإِرْشَادِ بَعْضِ أَهْلِهَا، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ خَوْفِ سَبِيلٍ⁣(⁣٣).


(١) انظر: (شرح الأزهار) (٤/ ٥٧١)، شرح الأساس الصغير (عدة الأكياس) (٢/ ٢٢٧).

(٢) للأمير الكبير عالم العترة المطهرة علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى $، وهو صاحب اللمع، والقمر المنير، والدرر، وهداية البرايا في الفرائض.

(٣) انظر شرح الأساس الصغير (عدة الأكياس) (٢/ ٢٣٥).