البلاغ المبين
  وَالاِطِّلَاع، فَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ.
  وَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ، فَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.
  ثُمَّ إِنَّهُ يَلْزَمُ قَبُولُ الْمُصَرِّحِ(١) إِنْ ظُنَّ صِدْقُهُ، وَالإِجْمَاعُ يَرُدُّهُ.
  وَلَقْدَ ضَاقَتْ بِالسَّيِّدِ الْحَافِظِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الوَزِيرِ الْمَذَاهِبُ لَمَّا انْتُقِضَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَجَأَ إِلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ.
  ثُمَّ لَوْ فُرِضَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي بَعْضِ جُزْئِيَاتِ العَمَلِيَّاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا سِوَاهُ، كَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، فَيُخَصُّ بِهِ، وَيَبْقَى تَحْتَ العُمُومِ الدَّالِّ عَلَى الْمَنْعِ مَا عَدَاهُ.
  وَمِنْ أَعْجَبِ التَّهَافُتِ أَنَّ الْكَثِيرَ لَا سِيَّمَا مَنْ يَدَّعُونَ وَيُدَّعَى لَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُخَرِّجُونَ إِلَّا الصَّحِيحَ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ لَقَبًا لِبَعْضِ كُتُبِهِمْ، وَحَتَّى صَارَ الْمُقَلِّدُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ يَجْرَحُونَ وَيَقْدَحُونَ فِيمَنْ أَبْدَى أَيَّ مُنَازَعَةٍ فِي حَدِيثٍ أَوْ رَاوٍ مِنْ رُوَاتِهِمْ، كَأَنَّهَا نَزَلَتْ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تَوَاتَرَتْ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷ بِصِحَّةِ جَمِيعِ مَا أَخْرَجُوهُ، وَهَؤُلاءِ يَقْبَلُونَ الْمُصَرِّحِينَ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ كَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ}(٢)،
(١) أي لو كان المدارُ عَلَى الظَّنِّ لَلَزِم قَبول أخبار كافر وفاسق التصريح.
(٢) قال المحدث الكبير ابنُ عبد البر في (الاستيعاب) (٤/ ١٥٥٣): «لَا خِلَافَ بَينَ أَهْلِ العِلْمِ بِتَأْوِيلِ القُرْآنِ فِيْمَا عَلِمْتُ أَنَّ قَولَهُ ø {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ} نَزَلَتْ فِي الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ».
وذكره عنه الحافظان المزي في (تهذيب الكمال) (٧/ ٤٧٨) رقم الترجمة (٧٣١٨)، وابنُ حجر في (تهذيب التهذيب) (١١/ ١٢٥) رقم (٧٧٦٣)، ولم يعترضاه بشيءٍ.
وانظر في ذلك تفسير الطبري، والقرطبي، وابن الخطيب الرازي، وابن كثير، والشوكاني، وغيرهم، بل قال ابن كثير: «وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي معِيطٍ، حِيْنَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ ÷ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلقِ».
وقال الشوكاني: «وَقَدْ رُويَتْ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ، وَأَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ القَصَصُ».
وانظر أيضًا تفسير السيوطي المسمى (الدر المنثور)، فلقد أطنب في تخريج هذه الآية الكريمة وبيان سبب نزولها، وأنها في الوليد بن عقبة.