[170] أبو علي معاذ بن مسلم أحد أئمة العربية
  المشهور امتدح خالد القسري بواسط فأمر له بثلاثين ألف درهم وخلعتي وشي، فبلغ الكميت فعزم على قصده فقال له معاذ: لا تفعل فإن الطرمّاح ابن عمّه وبينكما بعد، أنت مضري، وخالد يماني، وأنت عراقي وهو شامي، فأبى إلّا قصده فلما وصل إليه، قالت اليمانيّة: قد هجانا الكميت وفخر علينا فحبسه خالد، وقال: إنّ في حبسه مصلحة لأنه يهجو الناس ويتأكّلهم فبلغ معاذا خبره فغمّه وكتب إليه:
  نصحتك والنصيحة إن تعدّت ... هوى المنصوح عزّ لها القبول
  فخالفت الذي لك فيه رشد ... فغالت دون ما غوّلت غول
  فعاد خلاف ما تهوى خلافا ... له غرض من البلوى طويل
  فبلغ شعره الكميت فكتب إليه:
  أراك كمهدي البحر للبحر حاملا ... إلى الرمل من يبرين متّجرا رملا
  ثم كتب: قد جرى القضاء فما الحيلة؟ فأشار عليه بالهرب، وقال: إنه قاتلك لا محالة، فخرج على زيّ امرأته(١) كما سبق.
  وقال أيضا: قال بعض أصحاب معاذ وكتّابه: صحبته زمانا، فجاء رجل يسأله كم عمره، فقال: ثلاث وستون سنة، ثم سئل بعد مدّة طويلة، فقال: ثلاث وستون سنة، فقلت له: أنا معك منذ إحدى وعشرين سنة وكلّما سألك أحد تقول ثلاث وستون، فقال: لو كنت معي إحدى وعشرين أخرى ما قلت إلّا ذلك(٢).
  قلت: أنا أحسبه كان يتّقي العين فإنه سئل عن مولده فقال: في أيام عبد الملك بن مروان أو ولده يزيد، ومات في سنة نكبة البرامكة سنة سبع وثمان ومائة(٣).
  وفي أخبار أبي الغصن جخى: أن امرأة سألت أمّه وهو عندها عن عمرها، فقالت: مضى لي أربعون سنة، فقال جخى: يا أمّاه أنا اليوم ابن ستين سنة يجوز أن أكون أكبر منك بعشرين سنة؟
(١) وفيات الأعيان ٥/ ٢١٩ - ٢٢٠.
(٢) وفيات الأعيان ٥/ ٢١٨.
(٣) وفيات الأعيان ٥/ ٢٢١.