[29] الصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن أبي الحسن
  قال: وحدثني عون بن الحسين الهمداني، أنه قال: ما استأذنت على فخر الدولة، وهو في مجلس الأنس إلّا انتقل إلى مجلس الحشمة فأذن لي فيه، وما أذكر أنه تبذل بين يديّ يوما، أو مازحني إلّا مرّة واحدة، فإنه قال في شجون الحديث: بلغني أنك تقول المذهب مذهب الاعتزال، والنيك نيك الرجال، فأظهرت الكراهة لانبساطه، وقلت: بنا في الجدّ ما لا نفرغ معه إلى الهزل، ونهضت كالغضبان فما زال يعتذر إليّ مراسلة حتى عاودت إلى مجلسه(١).
  وسمعت سهل بن المرزبان يقول: كان الصاحب إذا شرب الماء بالثلج أنشد على أثره [من الرجز]:
  قعقعه الثلج بماء عذب ... تستخرج الحمد من آقصى القلب(٢)
  ثم يقول: اللهم جدّد اللعنة على من منع الحسين الماء.
  قلت: البيت إنما استشهد به الصاحب، لأني رأيته منسوبا إلى الأصمعي في حضرة الرشيد.
  وقال: حدثني عون الهمداني قال: كنت يوما في خزانة الخلع للصاحب، فرأيت في دستور كاتبها - وكان صديقي - مبلغ خلع الخزانة التي صرفت في تلك السنة للعلويين والفقهاء من الشعراء خارجة عن الخدم والحاشية ثمانمائة وعشرين خلعة، وكان يعجبه الخز، ويأمر الاستكثار منه في داره، فنظر أبو القاسم الزعفراني يوما إلى جميع من فيها من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملوّنة، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئا، فنظر إليه الصاحب وقال: عليّ به فامتهل الزعفراني بيتا يتم كتابته، فأمر الصاحب بأخذ الدرج من يده، فقال: أيّد اللّه مولانا الصاحب [من الكامل]:
  إسمعه ممن قال تزدد به ... عجبا فحسن الورد في أغصانه
  فقال: هات يا أبا القاسم، فأنشده أبياتا منها [من المتقارب]:
  سواك يعدّ الغنى ما اقتنى ... ويأمره الحرض أن يخزنا
  وأنت ابن عباد آلمرتجى ... تعد نوالك نيل المنى
(١) يتيمة الدهر ٣/ ١٩٩.
(٢) يتيمة الدهر ٣/ ١٩٦، معاهد التنصيص ٢/ ١٥٧، ديوانه ١٩٣.