[31] أبو هاشم إسماعيل بن يزيد بن وادع
  ولقد سرى فيما يسير بليلة ... بعد العشاء بكربلا في موكب(١)
  حتى أتى متبتّلا في قائم ... ألقى قواعده بقاع مجدب(٢)
  تأتيه ليس بحيث تلقى عامرا ... غير الوحوش وغير أصلع أشيب(٣)
  في مدمج زلق أشمّ كأنه ... حلقوم أبيض ضيّق مستصعب(٤)
  فدنا فصاح به فأشرف ماثلا ... كالنسر فوق شظيّة من مرقب(٥)
  هل قرب قائمك الذي بوّئته ... ماء يصاب فقال ما من مشرب
  إلا بغاية فرسخين ومن لنا ... بالماء بين نقا وقيّ سبسب(٦)
  فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى ... ملساء تبرق كاللجين المذهب(٧)
  قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا ... ترووا ولا تروون إن لم تقلب
(١) في هذا البيت والأبيات التي تليه إلى البيت ٤٩ عرض الشاعر إحدى مناقب أمير المؤمنين # عرضا رائعا وملخصها كما رواها الشيخ المفيد في إرشاده (١٥٧) والعاملي في أعيان الشيعة ١٢:
٢٢٨: أن أمير المؤمنين # لما سار إلى حرب صفين أخذ طريق البر وترك الفرات. وأصاب أصحابه عطش شديد فلاح لهم دير، فهتف به. فأشرف راهب من صومعته. فقال له: هل قرب الدير ماء؟ قال: بيني وبين الماء أكثر من فرسخين. فسار قليلا ونزل بموضع فيه رمل. وأشار إلى مكان فكشفوه. فأصابوا تحته صخرة بيضاء عظيمة تلمع. فأمرهم بقلعها فلم يقدروا. فاقتلعها بيده ونحاها فإذا تحتها ماء أرق من الزلال وأعذب من كل ماء. فشرب الناس وارتووا وحملوا منه.
وردوا الصخرة والرمل كما كان. فنزل الراهب إليه وقال له: أنت نبي؟ قال: لا، أنا وصي محمد خاتم النبيين ÷. فأسلم الراهب وقال: إن أبي أخبرني عن جدي وكان من حواري عيسى # أنه قال: إن تحت هذا الرمل عينا من ماء أبيض من الثلج وأعذب من كل عذب لا يقع عليها إلا نبي أو وصي نبي. وأن هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها. وسار الراهب مع الإمام فاستشهد بصفين ليلة الهرير.
(٢) المتبتل: الراهب، القائم: صومعة الراهب.
(٣) الأصلع الأشيب: المراد به الراهب. والصلع محركة: انحسار شعر مقدم الرأس.
(٤) المدمج: الشيء المستور والمراد به صومعة الراهب، الزلق: الذي لا تثبت عليه قدم، الأشم:
الطويل المشرف، الأبيض: الطائر الكبير من طيور الماء. وتشبيه الصومعة الطويلة بحلقوم طائر الماء من أوقع التشبيه، ضيق مستصعب: صفتان لمدمج.
(٥) الماثل: المتنصب. وشبه الراهب بالنسر لعلو سنه، الشظية: قطعة من الجبل منفردة، المرقب:
المكان العالي.
(٦) النقا: قطعة من الرمل محدودبة، القي: بكسر القاف وتشديد الياء: القفر أو الصحراء الواسعة، السبسب: الأرض القفر كذلك.
(٧) الوعث: المكان اللين الذي تغيب فيه أخفاف الإبل، اجتلى: أي نظر إلى صخرة ملساء.