القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

فصل: [في النهي]

صفحة 116 - الجزء 1

  عنه لا يكون إلا فاسداً، بل حيث لا صارف عما يقتضيه ظاهره، وقيام الدليل الظاهر يمنع التصريح بخلافه، بل التصريح يصير قرينة صارفة عن الحمل على الظاهر الذي يجب الحمل عليه عند التجرد عن القرينة.

  قالوا: لم يزل علماء الأمصار في الأعصار يستدلون على الفساد لا على مجرد التحريم بالنهي نفسه في أبواب الربا والأنكحة والبيوع لا بخصوص القرائن مثل لا تأكلوا الربا، ولا تنكحوا المشركات، لا تبيعوا الذهب بالذهب الخبر.

  واعترض بأنه إنما يدل على دلالته على الفساد شرعاً، وأما لغة فلا؛ لأن فساد الشيء عبارة عن عدم ترتب ثمراته وآثاره عليه كما عرفت، وليس في لفظ النهي ما يدل عليه لغة قطعًا.

  وأجاب #: عن أصل الدليل بأنا لا نسلم الإجماع، ومن أستدل به فهو بانٍ على مذهبه.

  ولا يخفى ضعف هذا الجواب.

  احتج أهل القول الثالث: بأنه في العبادات بعد الإتيان بالفعل المنهي عنه لم يأتِ كما أمر به؛ لأن المأمور به غير المنهي عنه، فيبقى في العهدة؛ لأنه تارك للمأمور به وتاركه عاص، بخلاف المعاملات لما ذكر أهل القول الأول ثانيا.

  قال ابن الخطيب: ولا يرد أحدهما نقيضاً للآخر، إذ المراد من الفساد في العبادات أنها غير مجزية، وفي المعاملات أنها لا تفيد سائر الأحكام فافترقا.

  قلنا: هذا تعسف محض، وتكلف لا يجدي في الفرق نفعا، ولا للتحكم دفعا، وأنى له اقتضاء ذلك اختلافهما، وهما يرجعان إلى شيء واحد، هو عدم ترتب ثمراته وآثاره عليه كما مر، وذلك واضح، سلمنا فما تقدم من تواتر استدلال العلماء به على الفساد مطلقا يدفعه.

  واعلم أن بعضاً ممن قال بأن النهي لا يدل على الفساد لم يقتصر حتى قال: إنه