القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[جواز نسخ الفحوى والأصل معا اتفاقا]

صفحة 243 - الجزء 1

  وقد يقال: لا عبرة في مفهوم الموافقة بالمساواة، ولاسيما في ذلك المثال الذي ذكره المصنف؛ ألا ترى أنه قد يخالف حكم الجملة حكم الآحاد فإن العسكر متألف من الأفراد وهو يغلب ويفتح البلاد دون كل شخص على الانفراد، ولهذا قالوا: إذا بلغ عسكر المؤمنين اثني عشر ألف لم يجز توليهم وإن كثر عدد الكفار وزاد على مثليهم، ولو اعتبر ذلك لما كان الأمر كذلك، ويؤيد هذا قوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا}⁣[الأنفال: ١٥]، فإن فيه اشتراط أن يكون كلا الفئتين زحفاً أي كثيرون والخطاب للذين آمنوا لا لكل فرد منهم فعلى هذا يكون التفصيل هو جواز نسخ الأصل دون الفحوى وامتناع نسخ الفحوى دون الأصل كما ذكر ابن الحاجب.

  لنا: أن تحريم التأفيف ملزوم لتحريم الضرب، وإلا لم يعلم منه من غير عكس.

  ونسخ الفحوى دون الأصل معناه بقاء تحريم التأفيف وانتفاء تحريم الضرب وهو وجود الملزوم مع عدم اللازم وإنه محال، وأما عكسه وهو انتفاء تحريم التأفيف مع بقاء تحريم الضرب فرفع للملزوم مع بقاء اللازم وإنه لا يمتنع.

  وقد يعترض: بأن المعتبر في الدلالة الإلتزامية اللزوم في الجملة بمعنى الانتقال إليه وهو لا يوجب اللزوم في الحكم.

  ولو سلم فعند الاطلاق دون التنصيص كما إذا قيل: أقتله ولا تستخف به.

  القائلون بالجواز فيهما قالوا: إفادة اللفظ للأصل والفحوى دلالتان متغايرتان فجاز رفع كل منهما بدون الأخرى.

  قلنا: التغاير لا يدل على جواز رفع كل منهما دون الأخرى إلا إذا لم يكن أحد الغيرين مستلزما للآخر لما ذكرناه.

  (أبو الحسين:) أما أنها (لا تنسخ الفحوى دون الأصل)، فلما قلتم و (لنقضه الغرض بالأصل)؛ لأن نسخ الضرب في ذلك المثال يعود بالنقض على الغرض