[الاجماع حجة في الأحكام الشرعية]
  ولو سلم، فغايته الظهور لقيام الاحتمال، والتمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع، إذ لولا الإجماع لوجب العمل بالدلائل المانعة من إتباع الظن، فيكون إثباتا للإجماع بما لا تثبت حجيته إلا به، فيصير دورا.
  ولهذا ذهب (أبوهاشم) والغزالي إلى أنه إنما كان حجة (لقوله ÷: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» ونحوه) من الأحاديث التي تثمر العلم بحجيته، فإن الذي روي منها في هذا المعنى (كثير) نحو: «لا تجتمع أمتي على الخطأ، لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة، حتى يجيء المسيح الدجال»، «يد الله مع الجماعة»، «من فارق الجماعة قيد شبر خلع ربقة الإسلام من عنقه»، «من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية» إلى غير ذلك، وذلك وإن لم يتواتر لفظا (ففيه تواتر معنوي)؛ لأنه قد تواتر القدر المشترك وحصل العلم به، كما في شجاعة علي، وجود حاتم.
  واعترض بأنا لا نسلم أنها قد بلغت مبلغا يحصل معه العلم بمعناها، فالقول بذلك مجرد دعوى لا دليل عليها، وإنما يفيد الظن الغالب بذلك، إلا أنه يقتضي وجوب العمل بها، لأن دفع الضرر المظنون واجب، إذ ما قضى به الإجماع ودل عليه حكم عملي لا علمي، فجاز قبول خبر الواحد فيه، واعتماد هذا الدليل من هذا الوجه، هو الذي عول عليه ابن الخطيب.
  قلنا: بل ذلك معلوم قطعا لمن له فحص ومطالعة في الكتب المصححة في الأحاديث النبوية.
  وذهب (أبو علي) إلى أن حجيته إنما كانت (لقوله تعالى: {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣] (فجعلهم بمنزلة الرسول في الشهادة)، وهو تعالى لا يختار للشهادة إلا العدل ظاهرا وباطنا، لأنا إنما اقتصرنا فيها على الظاهر لعدم اطلاعنا على الباطن، وهو تعالى عالم مطلع على بواطن