[الأدلة على جواز التعبد بالقياس]
  سلمنا أن ذلك من غير نكير دليلٌ، لكن لا نسلم نفي الإنكار غايته عدم الوجدان ولا يدل على عدم الوجود.
  سلمنا عدم الإنكار ظاهرا فلعلهم أنكروا باطنا ولم يظهروا لما مر في الإجماع السكوتي من الأسباب الداعية إلى السكوت كيف ولو أظهروا الموافقة لم يفد ما أدعيتم من القطع، فإن العبرة بالقلب دون اللسان فلا يبقى الإجماع القطعي أيضا قاطعا.
  سلمنا دلالة عملهم بها على كونها حجة لكنها أقيسة مخصوصة فمن أين يلزم مدعاكم وهو وجوب العمل بكل قياس ولا سبيل إلى التعميم إلا القياس وفيه المصادرة على المطلوب.
  قلنا: قد أجيب عن الأول أنَّا نعلم من سياقها أن العمل بها كما في سائر التجريبات.
  وعن الثاني أنه لو أنكر لنقل عادة؛ لأنه مما تتوفر الدواعي إلى نقله لكونه أصلا مما تعم به البلوى.
  فإن قيل: فقد نقل عنهم ذم الرأي أيضا عن علي وعثمان أنهما قالا لو كان الدين القياس لكان باطن الخف أولى بالمسح، وعن ابن عمر أنه قال السنة: ما سنه الرسول ÷ لا تجعلوا الرأي سنة للمسلمين، وعن ابن مسعود أنه قال إذا قلتم في دينكم بالقياس أبطلتم كثيراً مما حرم الله وحرمتم كثيراً مما أحل الله، وعن أبي بكر أنه لما سئل عن الكلالة قال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأي، وعن عمر أنه قال إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أَعيتُهُمْ الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا، وعن ابن عباس أن الله لم يجعل لأحد أن يحكم برأيه قال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء: ١٠٥] ولم يقل بما رأيت، وقال إياكم والقياس فما سجد للشمس إلا بالمقاييس