القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الأدلة على جواز التعبد بالقياس]

صفحة 433 - الجزء 1

  المصالح يؤدي إلى انتفاء المصالح لجواز أن يختار ما المصلحة في خلافه فيكون باطلا (فلا يهتدى إليها إلا بدليل، ولا نسلم) وقوع (التفويض) لأحد، (و) اقتضائه (التوفيق) للمصلحة (إذ لا دليل) يدل على ذلك والأصل عدمه.

  المجوزون قالوا: إنه ليس ممتنعا لذاته قطعا فلو كان ممتنعا لكان ممتنعا لغيره والأصل عدم المانع وجهله بالمصالح لا يستلزم انتفاءها لأنه إنما يؤمر بذلك حيث علم أنه يختار ما فيه المصلحة فتكون المصلحة لازمة لما يختاره وإن جهل المصلحة كما أنها لازمة لما يظنه في الاجتهاديات عندكم ولم يستلزم ذلك انتفاءها.

  قلنا: لو جاز ذلك لجوزنا أن يصير الظلم والكذب والعبث مصالح بأن يوجدها نبي أو مجتهد وذلك معلوم البطلان هكذا ذكر #، وأما لزوم المصلحة لما يظنه المجتهد فلأن الدليل القاطع ناهض على تحتم العمل بالمظنون من ذلك وهو يقتضي حصول المصلحة مع الظن وليس العاري عن الظن كذلك فافترقا.

  وقد يمنع اقتضاء جواز ذلك أن يصير الظلم ونحوه من المصالح؛ لأن الكلام فيما لا نص فيه ولا دلالة، وقد قامت الدلالة القاطعة على أن مثل ذلك من المفاسد، فأين هذا من ذاك، ولو قدر عدم النص لم يلزم جواز الإقدام؛ لأنه إنما يكون فيما فيه مصلحة لثبوت العصمة عن الإقدام على ما فيه مفسدة.

  ويمنع أيضا وجود الفارق بين ذلك وبين الظن بما ذكرتم فإن الكلام في الجواز لا في الوقوع وذلك إنما يقتضي الافتراق في الوقوع بل والاستواء في الجواز فليتأمل.

  القائلون بالوقوع قالوا أولا: قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَاءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِي}⁣[آل عمران: ٩٣] ولا يتصور تحريمه على نفسه إلا بتفويض التحريم إليه وإلا كان المحرم هو الله.

  قلنا: لا نسلم أنه لا يتصور تحريم إلا بالتفويض بل قد يحرم على نفسه بدليل