القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الحقيقة العرفية:]

صفحة 47 - الجزء 1

  الزكاة، فإنها اسم لأداء مال مخصوص بعد أن كانت في اللغة للنماء، والصيام: لإمساك مخصوص، والحج: قصد مخصوص، وقد كانا للإمساك مطلقا، والقصد مطلقا، ولا يسبق منها إلى الفهم عند اطلاقها إلا تلك المعاني التي نقلت إليها، وذلك علامة الحقيقة وهذا لم يحصل إلا بتصرف الشارع، ونقله لها إليها، وهو معنى الحقيقة الشرعية.

  وقد يقال: لا يلزم من استعمالها في غير معانيها أن تكون حقائق شرعية؛ لأنها إنما تثبت كذلك بوضع الشارع وتعيينه بلا قرينة ولا دليل على ذلك، وإلا فلا نزاع في أنها بعد الغلبة والاشتهار حقائق بحسب عرف أهل الشرع لا الشارع فتكون مجازات، وإنما لم تفتقر إلى القرينة لمصيرها بالغلبة حقائق عرفية خاصه.

  الباقلاني: لو كانت كذلك لَفُهِّمَهَا المكلف؛ لأن الفهم شرط التكليف ولو فُهِّمَهَا لنقل إلينا؛ لأنا مكلفون مثلهم والآحاد لا يفيد العلم ولا تواتر، وإلا لما وقع النزاع.

  قلنا: فُهِّمَتْ لهم ولنا بالترديد بالقرائن، كالأطفال يعلمون اللغات من غير أن يصرح معهم بوضع اللفظ للمعنى لامتناعه بالنسبة إلى من لا يعلم شيئا من الألفاظ، وهذا طريق قطع لا ينكر.

  ولنا: في إثبات الدينية، أن الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع العبادات المخصوصة؛ لأنها الدين المعتبر، قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية [البينة: ٥]، وذلك المذكور من العبادات وغيرها، لكن اكتفى بها لأنها الأساس والدين المعتبر هو الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}⁣[آل عمران: ١٩]، والإسلام هو الإيمان؛ لأنه لو كان غير الإيمان لم يقبل من مبتغيه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}⁣[آل عمران: ٨٥]، ولكنه يقبل إجماعاً، فثبت أن الإيمان هو العبادات وهو المطلوب.