القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

الجنس الثالث:

صفحة 539 - الجزء 1

  إثباته بالدليل، وإنما لم يكن قطعا؛ لأنه ما يعاب من المستدل، إلا أن إثباته لحكم الأصل انتقال من إثبات حكم شرعي إلى آخر، ومثل هذا الانتقال إنما يقبح إذا كان إلى غير ما يتوقف عليه إثبات المطلوب، وليس ههنا كذلك، فلا يقبح، كما لو منع عليَّة العلة، أو وجودها في الأصل، أو في الفرع، فإنه يصح فيه أن يثبتها ولا يعد المنع قطعا.

  وإذا قد تقرر أن المنع يسمع، وعلى المستدل إقامة الدليل عليه، فإذا أقام فهل ينقطع المعترض لمجرد إقامته الدليل حتى لا يمكن من الاعتراض على مقدمات هذا الدليل، أو لا ينقطع، بل له أن يعترض.

  فيه خلاف، والمختار أنه لا ينقطع، وله أن يعترض، وذلك لأنه لا يلزم من صورة دليله صحته، ولابد في ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته فيطالب ببيان صحته، وذلك بصحة مقدمة مقدمة وهو معنى المنع.

  قالوا: اشتغال بما هو خارج عن المقصود.

  قلنا: لا نسلم خروجه عن المقصود إذ المقصود لا يحصل إلا به.

  النوع الثاني: التقسيم وحقيقته أن يكون اللفظ مترددا بين أمرين أحدهما ممنوع فيمنعه إما مع السكوت عن الآخر لأنه لا يضره، أو مع التعرض لتسليمه؛ لأنه لا يضره، وهذا السؤال لا يختص بحكم الأصل بل كما يجري فيه يجري في جميع المقدمات التي تقبل المنع، وقد منع قوم من قبول هذا السؤال؛ لأن إبطال أحد محتملي كلام المستدل لا يكون إبطالا لكلام المستدل، إذ لعل ذلك المحتمل غير مراد المستدل.

  والمختار قبوله إذ بإبطال أحد محتملي كلامه يتعين مراد المستدل، وربما لا يتيسر للمستدل تتميم دليله بسبب إبطال أحد محتملي كلامه، فله مدخل في هدم الدليل، والتضييق على المستدل، وللقبول شرط وهو أن يكون منعا لما يلزم المستدل بيانه.