القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الكلام على العقليات والشرعيات في التصويب والتقليد]

صفحة 587 - الجزء 1

  دون الأفعال الاختيارية، وما يؤدي إليه الاجتهاد حصوله بعد الاجتهاد ضروري، واعتقاد خلافه ممتنع، وأما كون التكليف بما لا يطاق ممتنعا، فلتضافر دليل العقل والسمع على امتناعه، وعلى عدم وقوعه.

  قلنا: لا نسلم أن اعتقاد نقيض معتقدهم غير مقدور، بل ما داموا معتقدين لذلك يمتنع أن يعتقدوا خلافه وذلك لا يوجب كون الفعل ممتنعا عنهم غير مقدور لهم، فإن الممتنع الذي لا يجوز التكليف به ما لا يتأتى عادة كالطيران وحمل الجبل، وأما ما كُلِّفواهُمْ به فهو الإسلام وهو مُتأتٍ منهم، ومعتاد حصوله من غيرهم، ومثله لا يكون مستحيلا.

  (قلت والتحقيق) في تحرير محل النزاع بيننا وبين العنبري، (أن خلافه راجع إلى) كيفية (التكليف بالمعارف الدينية) كمعرفة الباري وصفاته، (فعنده أن المطلوب) منا (فيها الظن)، بمعنى أن حكم الله في حق كل واحد منا هو ما أداه اجتهاده إليه، (وعندنا) أن (المطلوب) منا فيها (العلم).

  وحينئذٍ فالحجة (لنا) عليه (ما مر) في شرح القلائد⁣(⁣١)، وسنقرر في كتابنا هذا، حيث نتكلم على امتناع التقليد في العقليات وثبوته في الفرعيات المقتضي للفرق بينهما، فهو يكفيك ويغنيك عن الرجوع إلى غيره، ولا يخفى أن وضع لفظة التحقيق هنا لا يليق؛ لأن ما شَذَّ من الأقوال وبَذَّ عن الطريق إنما يفهرس تأويله وتوجيهه بنحو الأقرب لا بلفظ التحقيق.

  اللهم إلا أن يقصد أنه لوجوب التعويل عليه والمصير إليه لقربه وتوجهه،


(١) في شرح القلائد: لأن الظان لا يأمن فيما يعتقده أن يكون جهلاً، والإقدام على مالا يأمن كونه جهلاً قبيح؛ كالإقدام على الجهل؛ ولأن التكليف بالظن مع إمكان العلم قبيح في باب الأصول؛ لأن كون الباري تعالى مرئياً أو غير مرئي مثلاً، أمر ثابتٌ في نفس الأمر لا يحصل بحسب الظن.

فهذا يخالف الفروع؛ لأن المصلحة فيها يجوز أن تحصل بحسب الظن. تمت معيار العقول - نقلاً من حاشية منهاج الوصول ص ٧٦٥.