فرع: [التقليد في العقليات من مسائل الأصول]
  فقيل: بجوازه، ونسب إلى العنبري.
  (وقيل:) بوجوبه، وأن (النظر فيها حرام إذ هو بدعة).
  والمختار وهو: قول الجمهور أنه لا تقليد فيها، (لنا: ما مر) في شرح القلائد.
  ولنذكر ههنا ما يكفي في باب الاستدلال، ويزيح عن تطلب نتيجة الإحالة إلى فن آخر وعن غاية الإخلال، فنقول قد أجمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى، وأنها لا تحصل بالتقليد؛ لأوجه ثلاثة:
  أحدها: أنه يجوز الكذب على المخبر، فلا يحصل بقوله العلم.
  ثانيها: أنه لو أفاد العلم لأفاده بنحو حدوث العالم من المسائل المختلف فيها، فإذا قلد زيد في الحدوث، وعمرو في القدم، كانا عالمين بهما، والعلم يستدعي المطابقة، فيلزم حقيقة القدم والحدوث، وأنه محال.
  ثالثها: أن التقليد لو حصل به العلم، فالعلم بأنه صادق فيما أخبر به، إما أن يكون ضروريا أو نظريا، لا سبيل إلى الأول بالضرورة، وإذا كان نظريا فلابد له من دليل، والمفروض أنه لا دليل، إذ لو علم صدقه بدليل لم يبق تقليد.
  القائلون بجواز التقليد: قالوا لو كان النظر واجبا لألزم الصحابة العوام ذلك، ولم يلزموهم، فإنا نعلم أن أكثر عوام العرب لم يكونوا عالمين بالأدلة الكلامية، وأن الأعرابي الجلف والأمة الخرساء يحكم بإسلامهم بمجرد الكلمتين.
  قلنا لا نسلم أنهم لم يلزموهم، فإنهم ألزموهم، وليس المراد تحرير الأدلة بالعبارات المصطلح عليها، ودفع الشكوك الواردة فيها، إنما المراد الدليل الجملي، بحيث يوجب الطمأنينة، ويحصل بأيسر نظر، وكان الصحابة يعلمون من العوام العلم بالدليل الجملي، كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام تدل على المسير أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، لا تدلان على اللطيف الخبير.
  والقائلون بوجوب التقليد: قالوا النظر فيها مظنة الوقوع في الشبه والضلال