القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[من لم يبلغ درجة الاجتهاد هل يلزمه التقليد]

صفحة 602 - الجزء 1

  وأما (أبو علي) ففصل وفرق بين قطعيها (و) ظنيها، فقال بأنه (يجوز) التقليد (في الظنية) ويلزم، وجزم بأنه (لا) يجوز في (القطعية).

  (لنا: إجماع السلف على ترك نكير تقليد العوام)، وذلك لأن العلماء لم يزالوا يستفتون في القطعي والظني فيفتون ويتبعون من دون تفرقة بين معلوم ومظنون، ومن غير إبداء المستند وشاع وتكرر وذاع ولم ينكر عليهم فكان إجماعا، (فاقتضى) ما ذهبنا إليه، وهو (الجواز) واللزوم من غير شرط والتعميم، فانتهض دليلا عليهم وعليه.

  ولنا أيضا قوله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}⁣[النحل] والاستدلال بالآية يتوقف على عمومها فيمن يعلم وفيما لا يُعْلَم، والأول معلوم من عموم خطابات الشارع على ما سبق في تقرير قوله: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» وقد علم أن علة الأمر بالسؤال هو الجهل.

  وأما الثاني فلأن الأمر مقيد بالعلة التي هي عدم العلم فكلما تحقق عدم العلم تحقق وجوب السؤال لما علمت أن المقيد بالعلة يتكرر بتكررها ويلزمه العموم فيما لا يعلم.

  ولنا أيضا: أن المقصود في العمليات العمل، والعمل يسوغ فيه قبول قول الواحد لأنه لا يخلو، إما أن يكون لدفع ضرر، أو جلب نفع، إذ الشرائع كلها كما علمت إنما شرعت لكونها مصالح، وقد تظافر العقل والسمع، على وجوب العمل بالظن في الدفع والجلب، كما قد تقرر في مواضع، وأن المصلحة تحصل في ضمن ذلك، لاسيما في المسائل الاجتهادية، فإن الظن قصارى ما يمكن فيها، وإلا لكنا قد كلفنا بما لا نعلم، وذلك قبيح لا يقع من الشارع.

  وإذا تعذر تحصيل الظن بالاجتهاد، وجب بالتقليد لأنه الممكن، وهذا بخلاف العقليات، فإن العلم فيها ممكن فلهذا لم يجز التقليد فيها.