القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[من لم يبلغ درجة الاجتهاد هل يلزمه التقليد]

صفحة 603 - الجزء 1

  قالوا: القول بذلك يؤدي إلى وجوب إتباع الخطأ؛ لأن الخطأ جائز الوقوع وعلى تقدير وقوعه يجب إتباعه.

  قلنا: قد قلتم بأن المجتهد لو أبدى للعامي مستنده فإنه يجب عليه إتباعه مع أن احتمال الخطأ بحاله لكون البيان ظنيا وكذلك المجتهد يجب عليه إتباع اجتهاده مع احتمال الخطأ فما هو جوابكم فهو جوابنا.

  والحل هو إنَّا إن قلنا بالتصويب فاندفاع ذلك واضح إذ لا خطأ، وإن لم نقل به فإن الحكم المجتهد فيه متصف بأنه مظنون وبأنه خطأ، فمن حيث أنه مظنون، يجب إتباعه، ومن حيث أنه خطأ يحرم، ولا امتناع في ذلك، وإنما الممتنع وجوب إتباع الخطأ من حيث إنه خطأ.

  قال أبو علي: القول بذلك في القطعية كما ذكروه، يؤدي إلى وجوب إتباع الخطأ؛ لأن الحق فيها مع واحد دون الظنية؛ لأن كلا فيها مصيب.

  قلنا: إنه مشترك الإلزام حيث عزب عن المجتهد ما يثمر العلم، فإن فرضه حينئذٍ العمل بالظن، وهو يؤدي إلى ما ذكرته، فما هو جوابك، فهو جوابنا.

  وأيضا فإنا لو كلفنا العامي أن يعمل فيها بالعلم لكنا قد ألزمناه ما لا يطيقه، إذ ليس في وسع الكل أن ينتهض للتمييز بين العلمي والظني، لتوقف ذلك على أدوات يستغرق تحصيلها العمر، ولو سلم أنه مقدور للكل فهو يقتضي عموم، تحتم بلوغ درجة الاجتهاد، وإن وجوب ذلك لا يختص بالخواص والأفراد، وذلك مما لم يقل به أحد، وكيف يقال به وهو يفضي إلى تعطل غيره، من المقاصد الدينية والدنيوية.

  والتحقيق أن الممتنع إنما هو وجوب إتباع الخطأ من حيث هو خطأ، أو نقول: إن المقصود فيها هو العمل، وقد تطابق العقل والسمع على وجوب العمل بالظن في الدفع والجلب كما تقدم، والدليل متبع.