[التعارض في الدلالات القطعية والظنية]
  المستفتي (إنما سأله عما عنده) فقط فلو خيره لم يتطابق السؤال والجواب، وقد علمت أن من حق الجواب المطابقة.
  وأما لو عرف من قصد السائل خلاف ذلك كان له أن يفتيه كذلك.
  (وقيل:) إنه يجوز إذ الفرض ألاَّ التِزاَم (بل يحسن) فيكون مندوبا؛ لأن كل مجتهد مصيب، ولا حجر عليه مع ما في ذلك من تنفيس الخناق وإرخاء الوثاق، وقد قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، وقال ÷ «بعثت بالحنيفية السمحة» ونحو ذلك، لكن التخيير إنما يكون حيث قيل به (ما لم يحكم حاكم) إذ مع معرفة الحكم ينسد باب الافتراق، ويرجع القولان إلى الوفاق، فإنه لا قائل بأن الخصم مخير بين الدخول تحت الحكم وعدمه، إذن لفاتت مصلحة نصب الحكام.
  وقال #: وكذا ينسد باب الإفتراق، حيث كان المفتي ممن يرى أن الحق واحد، وإلا كان مخيراً بين خطأ وصواب، وقد يدفع بأن الممتنع هو التخيير بين الخطأ والصواب، حيث عرف كل منهما ليس إلا. وربما إنه قد تقدم توضيح ذلك.
  واعلم أنه قد سبق أن للمجتهد التخيير، لكن ذلك حيث اعتدلت الأمارات عنده، وليس كذلك ما نحن فيه فافهم.
[التعارض في الدلالات القطعية والظنية]
  (مسألة:) أجمع أهل الحل والعقد (و) اتفقوا على أنه لا (تعارض في) الأدلة (القطعيات، لاستلزامه) ثبوت مقتضى المتعارضين وهما نقيضان فيقتضي اجتماع (النقيضين) وهو محال(١)، كما قد علمت.
(١) إذ لا يصح كون الحكم ثابتاً منفياً في حالة واحدة، ولا كونه وجباَ حراماً، ونحو ذلك. (تمت منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٨٠٠).