القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[حكم العقل في ما ينتفع به من دون ضرر]

صفحة 636 - الجزء 1

  لمقصود خلقهما، وإلا لكان عبثا خاليا عن الحكمة⁣(⁣١)، وإنه نقص (فلا يحظر إلا بدليل).

  وقد عورض بأنه ملك الغير، فيحرم التصرف فيه، وحُلَّ بأنه ربما خلقهما ليشتهيه فيصبر عنه فيثاب عليه، فلا يلزم من عدم الإباحة عبث.

  قالوا: تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيحرم.

  قلنا: ذلك فيمن يلحقه ضررمَّا بالتصرف في ملكه، ولذلك لا يقبح النظر في مرآة الغير والاستظلال بجداره والاصطلاء بناره، والمالك فيما نحن فيه منزه عن الضرر، ولو سلم فإن ما ذكرتم من كونه تصرفا في ملك الغير، وإن دل على الحرمة مطلقا، لكن كونه دفعا للضرر الناجز يقتضي وجوبه، فضلا عن الإباحة، فتنتفي الحرمة، وليس تحمل الضرر الناجز لدفع ضرر خوف العقاب المرتب على التصرف في ملك الغير، أولى من تحمل ضرر الخوف لدفع الضرر الناجز فإن رجح ضرر الخوف لكونه أشد، رجح الآخر بكونه ناجزا مقطوعا به عند العقل، وذكر أصحابنا أن الواقف إنما وقف لتعارض الأدلة.

  وأجاب #: بأنه لا تعارض مع ظهور رجحان دليل الإباحة بما ذكره.

  وقد قيل: يمكن أن الواقف أراد أن الفعل الذي لا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة حسن أو قبح، يحكم العقل بأن في ذلك الفعل نفسه حكما من الشارع بالحظر والإباحة، حتى أن بعض أفراده مباح، وبعضها محظور، لكن في أي معين فرضت؟ لا أدري أن الحكم الحظر أو الإباحة، وهذا ليس بتوقف في الحكم


(١) لأنه لابد له في ذلك من غرض وإلا كان عابثاً. والغرض لا يجوز أن يعود إليه النفع والضرر عليه ولا يكون العرض ضرراً لعدم العلم به في تناولها، لأنها لو صارت لم تضر إلا بإدراكها في ذلك إباحته، ولأنه لا يحس منه الضرر المحض، ولا القصد إليه لمن لا يستحقه، فليس إلا أن غرضه نفعنا بها بالتنعم، والاستلذاذ، وذلك فرع على إدراكنا فكان إدراكها وتناولها مباحاً. (تمت حاشية المعيار - نقلاً من منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٨١٤).