القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

(فصل:) [في الترجيح وكيفيته عند تعارض الأدلة]

صفحة 702 - الجزء 1

  (و) السابع: يقدم (الدارئ) للحد (على الموجب)⁣(⁣١) للحد لما في الدرء من اليسر ونفي الحرج الذي قد علم شوق الشارع إليه، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨].

  وذهب المتكلمون إلى تقديم موجب الحد نظرا إلى أن فائدة العمل بالموجب التأسيس وبالدارئ التأكيد.

  (و) الثامن: يقدم (الموجب للطلاق والعتق) على ما يوجب عدمهما، (لموافقته النفي) فهو مؤيد بالأصل؛ لأنه على وفق الدليل النافي لملك البضع، وملك اليمين، والنافي لهما على خلافه، (وقد يعكس) فيقدم النافي لهما (لموافقته التأسيس) بمعنى أنه على وفق الدليل المقتضي لصحة النكاح، وإثبات ملك اليمين المترجح على النافي لهما وهو الأصل.

  (و) التاسع: يقدم الحكم (التكليفي) كالاقتضاء: وهو ما اقترن به طلب، على الحكم الوضعي: وهو ما لم يقترن به طلب، إنما هو جعل الشيء دليلاً، أو سبباً، أو شرطاً على ما مر، في تفسير الحكم.

  مثاله قوله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}⁣[البقرة: ١٨٤]، فإنه يدل على جواز الترخص للعاصي بسفره، فيرجح على ما لو قيل العصيان


(١) لقوله ÷: «ادرأوا الحدود بالشبهات» ولأن الخطأ في ترك الحد أهون فنجا من الخطأ في فعله، فلهذا قال علي #: لأن أخطئ في العفو أحب إلي من أخطئ في العقوبات. وروي لأن نخطي في العفو خير من أن نخطي في العقوبة. ولا شك أن الخبر المقتضي لسقوط الحدّ يورث شبهة فيسقط به الحدّ، ولأن تعارض البينتين يسقط. فكذلك تعارض الخبرين، ولأن مدخل الخطأ والغلط في إثبات الحدّ أكثر منها في درء الحدّ ونفيه. ولهذا قال ابن الحاجب في منتهى السّول الأكبر الذي أختصر منه المنتهى الأصغر: إنما رجح الداري للحد لأن ما يعارض المثبت للحد من المبطلات أكثر منه في الداري، وإذا كان كذلك كان نافي الحد أولى لبعده عن الخلل، وقربه من المقصود.

قلت: وهذا مذهب الفقهاء. وخالفهم المتكلمون حيث ذهبوا إلى الترجيح المثبت للحد على النافي له، رجوعاً منهم إلى الترجيح التأسيس على التأكيد. أهـ (انظر منهاج الوصول ص ٨٧٠).