القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[هل الأمر بالشيء نهيا عن ضده]

صفحة 88 - الجزء 1

  صيغة الأمر إفعل وصيغة النهي لا تفعل، وإنما الخلاف في أن الشيء المعين إذا أمر به، فهل ذلك الأمر نهي عن الشيء المعين المضاد له أَوْ لا، فإذا قال تحرك فهو في المعنى بمثابة أن يقول لا تسكن.

  فذهب الجويني والغزالي إلى أنه ليس نفس النهي عن ضده ولا يتضمنه عقلاً واختاره طائفة منهم إذ لو كان كذلك لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه؛ لأن الكف عن الضد هو مطلوب النهي ويمتنع أن يكون المتكلم طالباً لأمر لا يشعر به فيكون الكف عن الضد متعقلاً لَهُ، وما ذلك إلا بتعقل مفرديه وهما الضد والكف عنه، ونحن نقطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عنهما.

  واعترض بأنا لا نسلم حصول القطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عن الضد، وإنما يصح لو أُريد الضد الخاص الذي هو جزئي من جزئيات مالا يجامع المأمور به كالقعود بالنسبة إلى القيام، أما لو أُريد الضد العام أعني أحد الأضداد لا على التعيين، فلا إذ الطالب، إنما يطلب الفعل إذا علم أن المأمور متلبس بضده العام، لا بالفعل نفسه، والعلم بعدم تلبسه بالفعل مستلزم لتعقل الضد.

  وأجيب: بأن جواز الذهول عن الضد العام أيضاً ضروري نجده من أنفسنا، وما ذكرتم لا يدفعه؛ لأن الأمر طلب الفعل في المستقبل، وهو لا ينافي التلبس به في الحال، حتى يفتقر إلى العلم بتلبس المأمور بالضد العام، فلو قدر أن الطلب يتوقف على عدم تلبس المأمور بالفعل وعلى كفه عنه، فالكف يعلم بالمشاهدة من غير توقف على العلم بتلبس المأمور بشيء من أضداد الفعل، فلا يستلزم تعقل الضد.

  وقال القاضي⁣(⁣١) ومتابعوه: أولاً إنه نفس النهي عن ضده محتجاً بأن فعل


(١) يعني أبا بكر الباقلاني. تمت من هامش المخطوطة [أ].