القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[فصل: في الأمر]

صفحة 89 - الجزء 1

  السكون مثلاً عين ترك الحركة، إذ البقاء في الحيز الأول هو بعينه عدم الانتقال إلى الحيز الثاني، وإنما يختلف التعبير ويلزم منه أن يكون طلب فعل السكون هو طلب ترك الحركة.

  وأجيب: بمصير النزاع لفظياً في تسمية الفعل المأمور به تركاً لضده وفي تسمية طلبه نهياً، وطريق ثبوته النقل لغة ولم يثبت وعلى تقدير ثبوته يكون حاصله أن الأمر بالشيء له عبارة أخرى كالأحُجيَّة مثل أنت، وابن أخت خالتك، وذلك يشبه اللعب لا ينبغي أن تشحن به الكتب العلمية وتشتغل به.

  وقالوا آخراً: إنه يتضمنه أي هو جزء من مدلوله فالأمر على هذا لطلب الفعل وطلب الكف عن ضده، كما أن الإنسان يدل على كل واحد من الحيوانية والناطقية دلالة تضمن وعلى مجموعهما دلالة مطابقة.

  قالوا: لأنه لا يتم الواجب، وهو فعل المأمور به إلا بترك ضده، وهو الكف عن ضده، أو نفي ضده على الرأيين في أن المطلوب بالنهي، هو الكف عن الفعل، أو نفي الفعل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

  وأجيب: بمنع أن ما لا يتم الواجب إلا به هو واجب، وسياتي في هذا البحث زيادة تحقيق إن شاء الله تعالى.

  ثم إن القائلين بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده على الوجهين، منهم من عمم القول في أمر الوجوب والندب، فجعلهما نهيا عن الضد تحريماً وتنزيهاً، ومنهم من خصص أمر الوجوب، فجعله نهيا عن الضد تحريما دون الندب؛ لأن أمر الوجوب يستلزم الذم على الترك فيستلزم النهي كما تقدم، بخلاف أمر الندب، فلا وجه لجعله نهيا عن الضد، إذ لا ذم على التارك، وأيضا كان يلزم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل، فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب، بخلاف الواجب فإنه لا يستغرق الأوقات كلها، فيكون الفعل في غير وقت أداء الواجب