مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام مع صاحب الرسالة مفصلا]

صفحة 129 - الجزء 1

  وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ مَعَانِيَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَعَرَفَ الْحُجَّةَ فِي عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَبْلَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُبْتَدِعَةِ، الْمُعَادِيَةِ لأَحْيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَاتِهِمْ.

[الكلام مع صاحب الرسالة مفصلاً]

  وَنتَكَلَّمُ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ مُفَصَّلاً بِإِعَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى:

[بعض الأنواع الْمُحَرَّمِ فعلُها عند القبور، وتمويه صاحب الرسالة في ذلك، والجواب عليه]

  قَالَ: «فَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ كَنِيسَةً بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، إِلَى أَنْ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِم العَبْدُ الصَّالِحُ، أَو: الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَر، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ»».

  الجَوَابُ: لَيْسَ فِيهِ شَيءٌ مِمَّا ادَّعَاهُ السَّائِلُ، وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِعِلَّةِ إِنْكَارِ فِعْلِهِمْ مِن اتِّخَاذِ قَبْرِهِ مَسْجِدًا مَعَ تَصْوِيرِ الصُّوَرِ فِيهِ، فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ⁣(⁣١)؛ فَإِنَّ أَهْلَ البَيْتِ $ وَشِيعَتَهُمْ وَمَنْ بَيْنَهُمْ لَا يَتَّخِذُونَ شَيْئًا مِنَ القُبُورِ مَسَاجِدَ، وَلَا يَرْضَونَ بِالتَّصْوِيرِ.

  قَالَ: «وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ⁣(⁣٢) بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ في قولِهِ تَعَالَى: {أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ ١٩}⁣[النجم]، قَالَ: كَانَ يَلُتُّ لَهُمُ السَّوِيقَ⁣(⁣٣) فَمَاتَ


(١) قال القرافي المالكي في (الفروق) (٤/ ٨٨): «الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -: مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ، وَ - بِكَسْرِهَا -: الدَّلِيلُ. وَهْوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ: تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ بِأَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ اسْتِلْزَامِهِ الدَّلِيلَ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ. وَشَاهِدُهُ أَيْ الدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ}⁣[المنافقون/ ٨] فِي جَوَابِ {لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ} الْمَحْكِيِّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَيْ صَحِيحٌ ذَلِكَ، لَكِنْ هُمُ الْأَذَلُّ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ، وَقَدْ أَخْرَجَاهُمْ فَقَدْ سَلِمَ مُوجَبُ الدَّلِيلِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْأَعَزِّ مَنْ هُوَ، وَالْأَذَلُّ مَنْ هُوَ، ...».

(٢) تفسير ابن جرير الطبري (٢٢/ ٥٢٣) ط: (مؤسسة الرسالة).

(٣) «لَتَّ الرَّجُلُ السَّوِيقَ لَتًّا - مِنْ بَابِ قَتَلَ -: بَلَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْبَسّ». (مصباح).