مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام مع صاحب الرسالة مفصلا]

صفحة 130 - الجزء 1

  فَعَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ.

  وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ للحَاجِّ».

  الجَوَابُ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ إِيرَادِ هَذَا، وَمَنِ الَّذِي لاَ يُنْكِرُ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ وَالقُبُورِ، وَالْعُكُوفَ عَلَيْهَا لِعِبَادَتِهَا؟

  وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا يَرُومُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ إِنْكَارَهُ؟!.

  قَالَ: «فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ عِبَادَةِ بَعْضِ الآلِهَةِ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ تَعْظِيمِ قُبُورِهِم، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي لأَجْلِهَا نَهَى الشَّارِعُ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ، هِيَ الَّتِي أَوْقَعَت كَثِيرًا مِنَ الأُمَمِ إِمَّا فِي الإِشْرَاكِ الأَكْبَرِ، أَوْ فِيمَا دُونَهُ مِنَ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الشِّرْكَ بِقَبْرِ الرَّجُلِ الَّذِي يُعْتَقَدُ صَلَاحُهُ ...» إلخ.

  الجَوَابُ: هَذَا الاِسْتِنْبَاطُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ هُوَ اتِّخَاذُهَا آلِهَةً، كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلاَمِ مُجَاهِدٍ، وَهْوَ الَّذِي سِيقَتِ الآيَةُ لأَجْلِهِ.

  فَجَمِيعُ مَا رَتَّبَهُ السَّائِلُ تَخْرِيجَاتٌ لَيْسَ عَلَيْهَا دَلاَلَةٌ وَلاَ أَمَارَةٌ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ إِبْطَالُ جَمِيعِ مَا شَنَّعَ بِهِ السَّائِلُ.

  قَالَ: «فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مَا عَلِمُوه بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ أَنَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ القُبُورِ مَنْهِيٌ عَنْهَا، وَأَنَّهُ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَهَا مَسَاجِدَ».

  الجَوَابُ: مَا نَقَلْتَهُ مِنْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقٍ، وَلاَ تَنْبَغِي الْمُجَازَفَةُ بِدَعْوَى الإِجْمَاعِ.

  وَالْخِلَافُ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا مَشْهُورٌ مَزْبُورٌ، وَقَدْ تُكُلِّمَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الفِقْهِ⁣(⁣١).


(١) وليت شعري ألم تكن عائشة تصلي في حجرتها؟ والمعلوم أنَّ قبر رسول الله ÷ وقبر أبي بكر وعمر كان في تلك الحجرة، فعائشة كانت تصلي عند القبور بإجماع الأمة. والمعلوم بالضرورة أنَّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم وآرائهم من سنة ثمان وثمانين هجرية تقريبًا بعد توسعة المسجد النبوي وإدخال الحجرة الشريفة في المسجد الشريف - وفيهم بقايا الصحابة، وأئمة أهل البيت $، وكبار علماء الأمصار والمذاهب - متتابعون ومواظبون أشدَّ المواظبة على الصلاة في =