مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل

صفحة 138 - الجزء 1

  عَلَيْهَا»، إِلَى أَنْ قَالَ: «وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِيقَادَ السُّرُجِ عَلَيْهَا إِنَّمَا لُعِنَ فَاعِلُهُ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى تَعْظِيمِهَا، فَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَلِهَذا قَرَنَ بَيْنَهُمَا».

  الْجَوَابُ: مِنْ أَيْنَ عُلِمَ ذَلِكَ؟ بَلْ لَا يُظَنُّ ذَلِكَ، وَبِأَيِّ طُرُقِ العِلْمِ اسْتَفَدْتَهُ؟ فَلَيْسَ لَكَ إِلَّا مَحْضُ الدَّعْوَى، لِمَ لَا تَكُونُ العِلَّةُ مَا اقْتَرَنَتْ بِهِ مِن اتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ أَيْ أَوْثَانًا.

  وَقَدْ سَبَقَ الاِسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

  قَالَ: «وَمِنْهَا: أَنَّهُ ÷ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد»، فَذِكْرُ ذَلِكَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» تَنْبِيهٌ مِنْهُ عَلَى سَبَبِ لُحُوقِ اللَّعْنِ، وَهْوَ تَوَصُّلُهُمْ بِذَلِكَ إِلَى أَنْ تَصِيرَ أَوْثَانًا تُعْبَدُ».

  الْجَوَابُ: أَنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّعْنَ وَالْغَضَبَ لاتِّخَاذِهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ التَّوَصُّلِ وَالإِشَارَةِ.

  قَالَ: «وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالشِّرْكِ وَأَسْبَابِهِ وَذَرَائِعِهِ، وَفَهِمَ عَنِ الرَّسُولِ ÷ مَقَاصِدَهُ جَزَمَ جَزْمًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَنَّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ مِنْهُ بِاللَّعْنِ وَالنَّهْي بِصِيغَةِ: «لَا تَفْعَلُوا»، وَصِيغَةِ: «إِنِّي أَنْهَاكُمْ ...»، لَيْسَ لأَجْلِ النَّجَاسَةِ، بَلْ هُوَ لأَجْلِ نَجَاسَةِ الشِّرْكِ اللَّاحِقَةِ بِمَنْ عَصَاه، وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ نَهَاه، وَلَمْ يَخْشَ رَبَّهُ وَمَوْلَاه».

  الْجَوَابُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا أَمَارَةٌ.

  وَأَيْضًا لَا مَانِعَ أَنْ تَكُونَ العِلَّةُ غَيْرَ مَا ذَكَرْتَ، فَمَا دَلِيلُ الْحَصْرِ فِيمَا ادَّعَيْتَهُ؟

  عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتَ مِنْ جَعْلِهَا وُصْلَةً، وَهْوَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّصُّ مِنْ نَفْسِ اتِّخَاذِهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ، فَبَطَلَتْ دَعْوَاكَ الْحَصْر.

  وَقَدْ رَجَعْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْحَقِّ - عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ - فِي قَوْلِكَ: «بَلْ هُوَ لِنَجَاسَةِ الشِّرْكِ اللَّاحِقَةِ بِمَنْ عَصَاه، وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ نَهَاه، وَلَمْ يَخْشَ رَبَّهُ وَمَوْلَاه».