[الكلام على قاعدة سد الذرائع]
  وَأَمَّا قَوْلُكَ: «إِنَّ اعْتِقَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَالدَّعَاءَ وَالتِّلَاوَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ مِمَّا هُوَ مُحَادَّةٌ ظَاهِرَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».
  فَالْجَوَابُ: أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا.
  وَأَمَّا الدُّعَاءُ وَالتِّلَاوَةُ، فَإِنْ كَانَ لِلْزِّيَارَةِ فَهْوَ مَشْرُوعٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، بَلْ فِي الأَخْبَارِ وَالآثَارِ فِي الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ مَا يُفِيدُ أَفْضَلِيَّةَ ذَلِكَ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِكَ.
  وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الزِّيَارَةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ، بَلْ وَرَدَ فِي البِقَاعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ(١).
  فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ جَعْلِكَ مُعْتِقَدَ ذَلِكَ مُحَادًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
  فَهَذَا هُوَ الْخَبْطُ وَالْمُجَازَفَةُ، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالِلَّهِ.
  قَالَ: «وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَصَدَ مَنْعَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالفِتْنَةِ بِالقُبُورِ، كَمَا افْتَتَنَ بِهَا قَومُ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُم، مِنْ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِد».
  فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّكَ تَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ(٢)، بَيْنَمَا أَنْتَ تَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْمَشَاهِدِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَهَا؛ لِكَوْنِهَا وُصْلَةً؛ إِذْ نَقَضْتَ ذَلِكَ بِنَصِّكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَصَدَ مَنْعَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ بِالْقُبُورِ، كَمَا افْتَتَنَ بِهَا قَومُ نُوحٍ، وَأَيُّ شَيءٍ وَقَعَ مِنْ قَومِ نُوحٍ غَيْر عِبَادَتِهَا، وَجَعْلِهَا أَوْثَانًا؟!.
  قَالَ: «وَمِنْهَا أَنَّهُ قَرَنَ فِي اللَّعْنِ بَيْنَ مُتَّخِذِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَمُوقِدِي السُّرُجِ
(١) كقوله ÷: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»، وكالذي ورد في فضل الصلاة في مسجد بيت المقدس وقباء، ونحو ذلك.
(٢) قال في (تاج العروس): «فُلانٌ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواءَ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وهي النَّاقَةُ الَّتِي في بَصَرها ضَعْفٌ تَخْبِطُ إِذا مَشَتْ لا تَتَوَقَّى شيئًا، وهو مَجازٌ. قالَ زُهَيْرٌ:
رَأَيْتُ الْمَنَايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ ... تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئ يُعَمَّرْ فيَهْرَم
إلى أن قال: وَمِثْلُ ذلك: فلانٌ يَخْبِطُ في عَمْياءَ: إِذا رَكِبَ مَا رَكِبَ بجَهَالَةٍ. وفي حديثِ عليٍّ ¥: (خَبَّاطُ عَشَوَاتٍ)، أَي يَخْبِطُ في الظَّلامِ، وهو الَّذي يَمْشي في اللَّيْلِ بلا مِصْباحٍ فيَتَحَيَّرُ ويَضِلُّ فرُبَّما تَرَدَّى في بِئْرٍ». انتهى.