مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[عودة إلى الكلام على سد الذرائع]

صفحة 140 - الجزء 1

  سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

  وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ تَعْظِيمَهَا بِمَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ مِنَ الزِّيَارَةِ، وَالتِّلَاوَةِ، وَالدُّعَاءِ فَقَدْ رَكِبْتَ مَتْنَ عَمْيَاء، وَخَبَطْتَ خَبْطَ عَشْوَاء، وَأَخْطَأتَ السَّبِيل، وَارْتَكَبْتَ الرَّدَّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِمَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيل.

[عودة إلى الكلام على سَدِّ الذرائع]

  قَالَ: «وَكُلُّ مَنْ شَمَّ أَدْنَى رَائِحَةٍ مِنَ العِلْمِ وَالفِقْهِ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الأُمُورِ سَدَّ الذَّرِيعَةِ إِلَى هَذَا الْمَحْذُورِ».

  الْجَوَابُ: يُقَالُ: مَا هَذَا الْمَحْذُورُ الَّذِي أَرَدْتَ سَدَّ ذَرِيعَتِهِ؟ إِنْ أَرَدْتَ الشِّرْكَ فَلَيْسَ فِي شَيءٍ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنَ الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ وَالتِّلَاوَةِ ذَرِيعَةٌ إِلَى ذَلِكَ أَصْلًا.

  وَإِنْ أَرَدْتَ بِالْمَحْذُورِ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ، وَجَرَى عَلَيْهِ أَهْلُ البَيْتِ وَشِيعَتُهُمْ بِلَا مَنْعٍ، فَيَا عَجَبَاهُ مِنْ تَصْيِيرِ الْمَعْرُوفِ مَحْذُورًا، وَالْمَشْرُوعِ مُنْكَرًا وَمَحْظُورًا.

  يَا نَاعِيَ الإِسْلامِ قُمْ فَانْعَهُ ... قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَبَدَا مُنْكَرُ⁣(⁣١)

  قَالَ: «ومَنْ جَمَعَ بَيْنَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ فِي القُبُورِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ اليَومَ رَأَى أَحَدَهُمَا مُنَاقِضًا لِلآخَرِ، مُضَادًّا لَهُ بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا».

  الْجَوَابُ: قَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ ÷ وَنَهَى عَنْهُ.

  وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فِي حَالَةٍ مُسْتَحِيل، فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَقٌ.

  وَنَقُولُ: بَلْ إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي مَوَارِدِ الشَّرْعِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ ÷، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّالِحُونَ، وَمَا رَأَىهُ الْمُسْلِمُونَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَفِيمَا نَشَأَ لأَهْلِ


(١) لِعَمَّار بن ياسر رضوان الله تعالى عليهما، انظر: (شرح نهج البلاغة) (٩/ ٥٥)، و (١٢/ ٢٦٦).

وانظر (البدء والتاريخ) للبلخي (٢/ ٢١٢)، ط: (دار الكتب العلمية).