[عودة إلى الكلام على سد الذرائع]
  الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ، وَمَا نَسَبُوهُ إِلَى الْمُوَحِّدِين، وَارْتَكَبُوهُ مِنْ تَضْلِيلِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِين - سِيما العِتْرَةَ الهَادِين ذُرِّيَّةَ الرَّسُولِ الأَمِين - رَأَى أَحَدَهُمَا مُنَافِيًا لِلآخَرِ مُنَاقِضًا لَهُ، فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ سَفِينَةَ النَّجَا، وَحَكَمَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدَى، وَلَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي رَدَى، فِي آيَاتٍ تُتْلَى، وَأَخْبَارٍ تُمْلَى، وَأَنْتَ عَكَسْتَ القَضِيَّةَ، وَأَخْطَأْتَ الرَّمِيَّة، وَعَدَلْتَ عَنِ السَّوِيَّة، فَجَعَلْتَهُمْ خَارِجِينَ عَنِ الْهُدَى، دَاخِلِينَ فِي الضَّلاَلَةِ وَالرَّدَى.
  وَأَمَرَ الرَّسُولُ ÷ بِالتَّعَلُّمِ مِنْهُم، وَالْحَذْوِ حَذْوَهُم، وَالتَّمَسُّكِ بِهَدْيِهِم، وَأَنْتَ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِهِم، وَتَعَلَّمْتَ مِنْ خُصِومِهِم، وَتَمَسَّكْتَ بِهَدِي أَعْدَائِهِم.
  وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ÷ عَنْ شَتْمِهِمْ، وَالتَّأَخُّرِ عَنْهُمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ، فَقَالَ: «لَا تَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَلَا تُخَالِفُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلَا تَشْتُمُوهُمْ فَتَكْفُرُوا»، وَأَنْتَ تَأَخَّرْتَ عَنْهُم، وَخَالَفْتَهُمْ، وَشَتَمْتَهُم.
  وَلَمْ يَرْتَكِبِ الْخَوَارِجُ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِنَ الْمُنَاصِبِينَ لِلْعِتْرَةِ الزَّكِيَّةِ مَا ارْتَكَبُوهُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الشَّنِيعَة، الَّتِي أَوْصَلَتْهُمْ بِالتَّحْقِيقِ إِلَى كُلِّ مَقَالَةٍ فَظِيعَة.
  فَمَا بَالُكَ تَنْهَى عَنِ الذَّرَائِع، وَأَنْتَ فِي سُوحِها رَاتِع(١)، {۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٤٤}[البقرة].
  قَالَ: «فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَهَؤلَاءِ صَلَّوا عِنْدَهَا، وَنَهَى عَنِ اتِّخَاذِها مَسَاجِدَ، وَهَؤلَاءِ يَبْنُونَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ».
  إِلَى قَوْلِهِ: «وَنَهَى عَنْ إِيقَاد السُّرُجِ عَلَيْهَا».
  الْجَوَابُ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِلْمُسْتَبْصِرِ.
(١) «(السَّاحَة: النّاحِيةُ، و) هِيَ أَيضًا (فَضَاءٌ) يكون (بَين دُورِ الحَيِّ)، وساحَةُ الدّارِ: باحَتُها. (ج: سَاحٌ، وسُوحٌ وسَاحَاتٌ). قَالَ الجوهَرِيّ: مثل بَدَنَةٍ وبُدْنٍ، وخَشَبَة وخُشْبٍ. والتَّصغير سُوَيْحَةٌ». تمت من (التاج).