مقدمة التحقيق
مقدمة التحقيق
  
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى أخيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين:
  وبعد، فإنَّه إذا ألَّفَ مؤلِّفٌ مُتَخَصِّصٌ في فَنِّه وعِلْمِه، ومُحَقِّقٌ فيه، وقد لا يُحْسِنُ معه شيئًا، وبعضٌ في فَنَّيْنِ أو ثلاثة، فإنَّ كتابه يكون له أهميته في المكتبة الإسلامية، فما بالك بكتابٍ يؤلِّفُه مؤلِّفٌ هو إمام العلوم غير مدافع، ورئيس الفنون غير معارض، إمام في التفسير، والحديث والسُّنَّة النبوية، وإمامٌ في الأسانيد والتراجم والرواة والرجال والطبقات، وإمامٌ في علوم الحديث بأنواعها، إمامٌ في اللغة وعلومها من نحو وصرف، ومعاني وبيان، وأدبٍ ونقد، ومعرفة تامَّة بالعروض والقوافي، ومُفْرَدات اللغة، وغيرها، وإمامٌ ذو باعٍ عريق جدًّا في عِلْمِ أُصول الفقه، وإمامٌ للفقهاء المجتهدين، والنُّظَّار المحققين، وإمامٌ للمتكلمين، وإمامٌ في السِّيَر والتاريخ.
  حتى أنَّه يُخَيَّل لك أنَّه إذا كَتَبَ في أحدِ هذه الفنون تصورتَ أنَّه متخصص فيه لا يُحسن غيره، حتى إذا ما قرأتَ له كلامًا في غيره تراجعتَ عن تصورك الأول.
  كتاب يؤلِّفُهُ مؤلِّفٌ يَتَحَلَّى بأَمَانة المحدِّث، ويَسترشد بعقليَّة الأُصوليِّ البارع، ويَستنبطُ بمقدرة الفقيه المجتهد المطلَق، ويُحَرِّرُ بذَوْقِ الأَديبِ البَليغ، واللُّغَويِّ القدير، المالك لأَزِمَّة اللغة، ويروي التاريخ والسِّيَر بِخَلْفِيَّة المؤرخِ الكبير، وفوق هذا وذاك عقلية مباركة تستضيء بالكتاب والسنة، تعرف معرفة كاملة النَّصَّ من الظَّاهِر، والعامَّ من الخاصّ، المطلَقَ من المقيَّد، المجمَلَ من المبيَّن، والمحكَمَ من المتشابه، والناسخ من المنسوخ، مع عقليّةٍ مباركة أيضًا يَكْمنُ وراءَها ضميرٌ حيٌّ يُنَادي بالموضوعيَّة والصِّدْق، ونفسٌ أَبِيِّةٌ مطمئنةٌ لا تَرى إلَّا قول الحقِّ وإن شقَّ، وهمةُ رَجُلٍ صادقٍ يَتَحَرَّقُ على الحقِّ، ويجهر به على رؤوس الأشهاد،