[اهتمام المؤلف الإمام بإرشاد العباد]
  لِكُلِّ حَاضِرٍ وَبَاد، خَالِيَةً عَنِ الهَوَى، نَقِيَّةً عَنِ الغِشِّ، بَعِيدَةً عَنِ السِّيَاسَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصولِ التَّخْرِيبِ وَالفَسَاد.
  وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّا لَمْ نَألُ جُهْدًا فِي الإِرْشَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ حَسْبَ الطَّاقَةِ وَالإِمْكَانِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ صَارَ الحَالُ فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ كَمَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ الأَمِينِ ÷ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٠٥}[المائدة].
  قَالَ ÷: «إِذَا رَأَيْتَ هَوًى مُتَّبَعًا، وَشُحًّا مُطَاعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ»(١).
  فَصَبَرْنَا مُنْتَظِرِينَ لِفَرَجِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَ «انْتِظَارُ الفَرَجِ عِبَادَةٌ»(٢).
  وَهَذَا كَإِيضَاحٍ لِلْعُذْرِ الْمُوجِبِ لِلْسُّكُوتِ؛ جَوَابًا لِمَا أَشَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الحُجَّةَ عَلَيْنَا قَائِمَةٌ لِإبْلَاغِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِبْلاغِهِ.
  نَعَمْ، وَقَدْ سُرِرْنَا جِدًّا بِوُصُولِ مَنْ ذَكَرْتَ آمِلِينَ أَنْ يَكُونَ هَمُّهُم تَعْلِيمَ
(١) قال السيوطي في (الدر المنثور) (٥/ ٥٦٥): «وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، والبغوي في معجمه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشُّعَب عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ}. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ÷، فَقَالَ: «بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ: فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَاءِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ. الصَّابِرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ»».
(٢) هذا الحديث بهذا اللفظ وأطرافه أخرجه: الإمام المرشد بالله # في (الأمالي الخميسية) (١/ ٢٢٨)، وابنُ أبي الدنيا في (الفَرَج بعد الشدة) (ص/١٠ - ١٢) برقم (١ - ٢)، والقضاعي في (الشهاب) عن ابن عُمَر (١/ ٦٢) رقم (٤٦)، وعن ابن عباس (١/ ٦٣)، رقم (٤٧) والبيهقيُّ في (شُعَبِ الإيمان) بأرقام (٩٥٣١ - ٩٥٣٢ - ٩٥٣٣ - ٩٥٣٤ - ٩٥٣٥)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (٢/ ١٥٥)، وابن عساكر (٥٧/ ١٢٨)، وغيرهم.