[بحث في الاستدلال على وجوب الإمامة]
  وَرَوَى الإمامُ زيدُ بْنُ عليٍّ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عن عليٍّ À(١): (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ إلى الإِمَامِ: صَلاةُ الجمُعَةِ وَالعِيدَيْنِ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالحدُودُ، وَالقَضَاءُ، وَالقِصَاصُ)(٢).
  وَأُورِدَ عَلَى هذا الاستدلالِ أَنَّ الإجماعَ غيرُ صحيحٍ عَلَى اشتراطِ الإمامِ فيها، فالخلافُ ظاهِرٌ، والْخَبَرُ آحاديٌّ لا يفيد.
  وقد اسْتَدَلَّ بهذه الطريقةِ الإمامُ نجمُ آلِ الرسول القاسم بن إبراهيم، وأبو علي، وأبو هاشم، واعتمده الرازي، وقد عَرفتم ما أُورِدَ عليه، وهو إيرادٌ وارِدٌ.
  والذي يَظهرُ - واللَّهُ أعلمُ - أَنَّ الإمامَ القاسمَ ~ ومَن اسْتَدَلَّ به من المحققين إنَّما يُريدون به الاستظهارَ وإلزامَ الخصم، وإلَّا فمثلُهُ لا تقومُ به الحجةُ القاطعةُ المطلوبةُ في هذا الباب.
  والأدلةُ عَلَى وجوبِ الإمامةِ كثيرةٌ شهيرةٌ؛ فإنَّ الإمامَةَ ثانيةُ النبوةِ في الوَجْهِ الذي وَجَبَتْ له، كما قال نجمُ آلِ الرسول القاسمُ بْنُ إبراهيمَ $(٣):
  «إِنَّ أَفْرَضَ الفَرَائِضِ وَأَوْكَدَهَا فَرْضًا الإِمَامَةُ؛ لأَنَّ جَمِيعَ الْفَرَايِضِ لاَ تَقُومُ إِلَّا بِهَا ...»، إلخ كلامِهِ(٤).
  ومِنَ المعلومِ أَنَّه لاَ يَستقيمُ حِفْظُ مَعَالم الإسلام، ودَفْعُ المظَالمِ بين الأَنام إلَّا بالإمام، والعقلُ يؤيدُ دليلَ الشَّرْعِ عَلَى وجوبِهَا، فإنَّ بِتَرْكِهَا يَخْتَلُّ النظامُ، ويَفْسدُ أَمْرُ الخاصِّ والعام، ولهذا لم يُسْمَعْ إهمالُ الرئيسِ في أُمَّةٍ مِن الأُمَم، ولا طائفةٍ مِن الطوائف مِنْ جميعِ العَرَبِ والعَجَم.
(١) مجموع الإمام زيد بن علي @ (المسند) (ص/٢٩٧)
(٢) وقد استوفى البحث في هذا بما لا مزيد عليه: الإمام يحيى بن حمزة @ في كتاب (التمهيد في معالم العدل والتوحيد) (٢/ ٥٤١).
(٣) في كتاب (الإمامة) المطبوع ضمن مجموعه # (٢/ ٢٠٨).
(٤) وقال في كتاب (الإمامة) المطبوع ضمن مجموعه # (٢/ ١٦٩): «وليس من الفرائضِ فريضةٌ أكبر قَدْرا، ولا أَعظمُ خَطَرًا، من الإمام الذي يقوم مقام نبيه عليه وآله السلام»، إلخ كلامه.