مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

صفحة 300 - الجزء 1

  السؤال الثالث عشر: هَلْ وَلَايَةُ العَهْدِ اجْتِهَادٌ غَيْرُ صَالِحٍ يُصَادِمُ النُّصُوصَ القَاطِعَةَ؟ أَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ بِصِحَّتِهَا الْمُفِيدَةِ لِدَرْءِ الْمَفْسَدَة؟

  الجَوَابُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ: أَنَّ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الشَّرْعِيَّ لِثُبُوتِ الإِمَامَةِ إِنَّمَا هُوَ النَّصُّ أَوِ الدَّعْوَةُ مِمَّنْ كَمُلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الإِمَامَةِ؛ لإِجْمَاعِ أَهْلِ البَيْتِ $ عَلَى ذَلِكَ.

  وَمَا سِوَى هَذَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ.

  وَقَدْ قَالَ غَيْرُ أَهْلِ البَيْتِ $ بِالْعَقْدِ وَالاِخْتِيَارِ كَمَا سَبَقَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى مَا جَرَى مِنَ العَقْدِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَيَوْمَ الشُّورَى، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

  وَأَمَّا وَلَايَةُ الْعَهْدِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِلاِجْتِهَادِ فِيهَا أَصْلٌ تَنْبَنِي عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهْوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

  وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنْ تُصَادِمَ النُّصُوصَ القَطْعِيَّةَ، فَمَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَهْوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، سَوَاءٌ صَادَمَ نَصًّا قَطْعِيًّا أَمْ لَا، فَوَلَايَةُ العَهْدِ إِنِ اجْتَهَدَ فِيهَا مُجْتَهِدٌ - نَظَرًا إِلَى الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ - فَلَا يَلْزَمُ الأُمَّةَ اجْتِهَادُهُ.

  وَمِثْلُ هَذَا الأَصْلِ العَظِيمِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَقْطَعُ النِّزَاعَ.

  وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُشِيرَ الإِمَامُ بِمَنْ يَرَاهُ صَالِحًا لِلْقِيَامِ بَعْدَهُ مَعَ إِبْلاغِ الْجُهْدِ وَإِخْلاصِ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا بِبَيْعَةٍ وَلا غَيْرِهَا.

  وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ هَذِهِ الَّتِي يَتَصَوَّرُهَا البَعْضُ قَدْ تُعَارِضُهَا مَفَاسِدُ لَا يَعْلَمُ مَدَاهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ وَجُرِّبَ، بَلْ قَدْ كَانَ سَبَبًا فِي ذَهَابِ الدَّوْلَةِ الَّتِي حَرِصَ وَاضِعُ العَهْدِ عَلَى بَقَائِهَا.

  وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ مُعْظَمُ الخِلافِ، وَانْقَسَمَتِ الأُمَّةُ إِلَى فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ يُنْكِرُ العَقْدَ وَالاِخْتِيَارِ وَوَلَايَةَ العَهْدِ.

  وَهَذَا الفَرِيقُ لَا يَقِلُّ عَنْ شَطْرِ الأُمَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْظَمَهَا كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ذَووا الاِخْتِبَارِ.