مع ابن تيمية
  وَرُجُوعُهُ إِلَيْهِ فِي الْقَضَايَا وَالأَحْكَامِ، وَرُجُوعُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ مَعْلُومٌ بَيْنَ الأُمَّةِ، وَمِمَّا تَوَاتَر: «لَوْلَا عَلِيٌّ لَهلكَ عُمَر»(١).
  وَمِمَّا يُحَقِّقُ وَضْعَ هَذَا الْمَقَالِ الْمُصْطَنَعِ: أَنَّ الرَّسُولَ ÷ قَدْ هَمَّ بِتَحْرِيقِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عِنْدَ الْكَافَّةِ(٢)، وَهْوَ لَا يَهُمُّ إلَّا بِالْجَائِزِ؛ لِلْعِصْمَةِ.
(١) قال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في (العواصم والقواصم) (١/ ٢٨٥): «إِنَّ عَلِيًّا # أَعْلَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلَاقِ»، وَقَالَ أَيْضًا (١/ ٤٤٤): «أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَمِيْرَ الْمُؤْمِنينَ عَلِيًّا # أَعْلَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ÷». انظر لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # ج ٢/ ١٥٧/ط ٢، ج ٢/ ١٦٩/ط ٣.
قلت: وكان الخلق يحتاجون إلى علم عليٍّ #، حتى قال عمر: «آه مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ». أفاده ابنُ الجوزي الحنبلي في كتاب (التبصرة). وقال الحافظ المناوي في (فيض القدير شرح الجامع الصغير) (٣/ ٤٦): «وَقَدْ شَهِدَ لَهُ بِالأَعْلَمِيَّةِ الْمُوافِقُ وَالْمُخَالِفُ، وَالْمُعَادِي وَالْمُحَالِفُ، ... ، وَقَدْ كَانَ أَكَابِرُ الصَّحْبِ يَعْتَرِفُونَ لَهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، ... ، وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ قَوْمٍ لَيْسَ هُوَ فِيْهِم حَتَّى أَمْسَكَهُ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُولِّهِ شَيْئًا مِنَ البُعُوثِ؛ لِمُشَاوَرَتِهِ فِي الْمُشْكِلِ».
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه (مقتل علي) # (ص/٩١) بإسناده عن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ أن عمرَ كان يقول لعلي بن أبي طالب - عندما يسأله من الأمر فيفرجه عنه -: «لَا أَبْقَانِي اللهُ بَعْدَكَ يَا أَبَا الحَسَنِ»، وروى ابن عبد البر في (الاستيعاب) (٣/ ١١٠٢) عن سعيد بن المسيّب، قال: «كَانَ عُمَرُ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ. وَقَالَ فِي الْمَجْنُونَةِ الَّتِي أَمَرَ بِرَجْمِهَا، وَفِي الَّتِي وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُر، فَأَرَادَ عُمَرُ رَجْمَهَا - فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ ...} الحَدِيْثَ. وَقَالَ لَهُ: (إِنَّ اللهَ رَفَعَ القَلَمَ عَنِ الْمَجْنُونِ ...) الحَدِيثَ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ»، وروى في (طبقات الفقهاء) لابي إسحاق الشيرازي، هَذَّبَه ابنُ منظور (ص/٤٢) عن الحسنِ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ جَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ÷ لِيَسْتَشِيْرَهُمْ، وَفِيْهِم عَلِيٌّ، فَقَالَ: «قُلْ فَأَنْتَ أَعْلَمُهُمْ وَأَفْضَلُهُم»، حتى قال النووي في (تهذيب الأسماء واللغات) (١/ ٣٤٦): «وَسُؤالُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ لَهُ، وَرُجُوعُهُم إِلَى فَتَاوِيْهِ وَأَقْوَالِهِ فِي الْمَوَاطِنِ الكَثِيرَةِ، وَالْمَسَائِلِ الْمُعْضِلَاتِ مَشْهُورٌ».
قال الحافظ المناوي في (فيض القدير) (٣/ ٤٧): «وَأَخْرَجَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ذُكِرَ لِعَطَاءٍ أَكَانَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحْبِ أَفْقَهَ مِنْ عَلِيٍّ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ الْحَرَالِّيُّ: قَدْ عَلِمَ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ أَنَّ فَهْمَ كِتَابِ اللهِ مُنْحَصِرٌ إِلَى عِلْمِ عَلِيٍّ، وَمَنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ عَنِ البَابِ، الَّذِي مِنْ وَرَاءِهِ يَرْفَع اللهُ عَنِ القُلُوبِ الحِجَاب، حَتَّى يَتَحَقَّقَ اليَقِينُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرَ بِكَشْفِ الْغِطَاءِ».
انظر لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # ج ٢/ ٦٠١/ط ٢، ج ٢/ ٧١١/ط ٣.
(٢) روى البخاري برقم (٦٤٤)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٤٨١)، وغيرهما عنه ÷ أنَّه قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ ...».