مع ابن تيمية
  هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١}، وَاجْعَلُوا ذَلكَ لأَهْلِ الْمَقَابِرِ؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِم(١).
  *******
  قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي (الجزءِ الأَوَّلِ) مِنْ (الفَتَاوَى) (ص/٢٠٩) (الطَّبْعَة الأُولَى)(٢) مَا لَفْظُهُ: «وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ(٣)، وَابْنُ مَاجَه(٤) عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ÷ أَنَّهُ عَلَّمَ الْخَارِجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: «وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا؛ فِإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، وَلَكِنْ خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ»(٥).
  قَالَ: فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَحَقُّ السَّائِلِينَ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُمْ، وَحَقُّ الْعَابِدِينَ لَهُ أَنْ يُثِيبَهُمْ، وَهْوَ حَقٌّ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَهُمْ، كَمَا يُسْأَلُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَسْأَلُكَ بِكَذَا، نَوْعَانِ: فَإِنَّ الْبَاءَ قَدْ تَكُونُ لِلْقَسَمِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلسَّبَبِ. فَقَدْ تَكُونُ قَسَمًا بِهِ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ تَكُونُ سُؤَالًا بِسَبَبِهِ.
  فَأَمَّا الأَوَّلُ: فَالْقَسَمُ بِالْمَخْلُوقَاتِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَكَيْفَ عَلَى الْخَالِقِ؟
  وَأَمَّا الثَّانِي، وَهْوَ السُّؤَالُ بِالْمُعَظَّمِ، كَالسُّؤَالِ بِحَقِّ الأَنْبِيَاءِ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ. فَنَقُولُ: قَوْلُ السَّائِلِ لِلَّهِ تَعَالَى: أَسْأَلُك بِحَقِّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ
(١) ورواه عن أحمدَ بْنِ حنبلٍ أيضًا: القرطبيُّ في (التذكرة) (١/ ٩٦)، وقال ابن قُدَامَة الحنبليُّ في (المغني) - وهو من أهم معتمدات الحنابلة في الفقه - (٣/ ٥١٨): «وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ اقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١}، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ»، ونقلها أيضًا المرداوي الحنبلي في (الإنصاف) (٢/ ٥٥٩).
(٢) وفي طبعة (دار الوفاء) (١/ ١٥٣).
(٣) مسند أحمد رقم (١١٠٩٩)، ط: (دار الحديث)، تحقيق (حمزة الزين): وقال: «إسناده حَسَن».
(٤) سنن ابن ماجه برقم (٧٧٨).
(٥) تقدم في الرسالة الصادعة في القسم الأول من مجمع الفوائد.