مع ابن تيمية
  مِنَ الْحَيْرَةِ وَعَمَى البَصِيرَة.
  وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِرِوَايَةٍ مَوْضُوعَةٍ غَيْرِ ثَابِتَةٍ وَلَا مَعْرُوفَةٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ # أَنَّهُ قَالَ: تَكُونُ شُورَى بَيْنَ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ. قال: أَوْ مَعْنَى هَذَا.
  قُلْتُ: وَأَقْوَالُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ # مَعْلُومَةٌ مَرْسُومَةٌ، وَصَاحِبُ البَيْتِ أَدْرَى بِالَّذِي فِيهِ.
  وَلَو سُلِّمَ ثُبُوتُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ؛ إِذْ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ وَرَيْحَانَتِهِ وَسَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَمَّنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَرَسُولُهُ ÷، وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَحِيحِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ مَا لَا تُوَازِنُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَجْهُولَةُ الْمُصْطَنَعَةُ.
  ثُمَّ يُقَالُ: وَهَلْ عَمِلْتُمْ - مَعْشَرَ الْجُمْهُورِيينَ - بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، وَهْوَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ شُورَى بَيْنَ صَالِحي الْمُؤْمِنِينَ، كَلَّا، بَلْ مَوْضُوعُ الْجُمْهُورِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، يَشْتَرِكُ فِيهَا الْهَمَجُ الرَّعَاعُ، وَأَهْلُ الفَسَادِ وَالطُّغْيَانِ، وَأَرْبَابُ الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ وَالْفُسُوقِ وَالْكُفْرَان، فَتَكُونُ الغَلَبَةُ لَهُمْ بِحُكْمِ الأَكْثَرِيَّةِ؛ إِذْ هُمُ الأَكْثَرُ كَمَا هُوَ الْمَعْلُوم، وَالْمَشْهُودُ لَهُ بِنُصُوصِ القُرآنِ: {وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ٧٠}[الحج]، {وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٠٣}[يوسف]، {وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ}[الحج: ٧١].
  فَهَذَا النِّظَامُ الْمُخَالِفُ لِنِظَامِ الإِسْلَامِ هُوَ الَّذِي سَعَى وَكَدَحَ وَجَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي إِقَامَتِهِ أَمْثَالُ الأَكْوَعِ وَالشَّمَاحِيِّ، وَصَارُوا يُحَارِبُونَ الإِمَامَةَ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ÷، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ الرَّاشِدِينَ إِلَى هَذَا التَّارِيخِ، الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ الْفَسَادُ، وَانْتَشَرَ الْكُفْرُ وَالإِلَحَادُ.
  وَلَقَدْ صَارَ جُلُّ فَخْرِهِمَا فِي مَوْضُوعَاتِهِمَا بِل كُلُّهُ بِالْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاء، وَالْقُرُونِ