مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(مسألة: في عدم جواز التفاضل لأجل الصنعة في متفقي الجنس والتقدير)

صفحة 399 - الجزء 1

  وَأَمَّا قَوْلُهُ⁣(⁣١): «وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الصِّنَاعَةُ مُبَاحَةً - كَخَاتَمِ الْفِضَّةِ، وَحِلْيَةِ النِّسَاءِ، وَمَا أُبِيحَ مِنْ حِلْيَةِ السِّلَاحِ وَغَيْرِهَا - فَالْعَاقِلُ لَا يَبِيعُ هَذِهِ بِوَزْنِهَا مِنْ جِنْسِهَا؛ فَإِنَّهُ سَفَهٌ وَإِضَاعَةٌ لِلصَّنْعَةِ، وَالشَّارِعُ أَحْكَمُ مِنْ أَنْ يُلْزِمَ الأُمَّةَ بِذَلِكَ».

  يُقَالُ: إِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُلْزِمِ الأُمَّةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَجَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، مَثَلًا: الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ، أَوِ الْعَكْسُ، كَيْفَ شَاءَ، ثُمَّ يَشْتَري بِذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرِ الْمَصْنُوعِ إِنْ شَاءَ فَيَسْتَوْفِي قِيمَةَ صَنْعَتِهِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ الشَّرْعُ وَعَلِمَ الْحِكْمَةَ فِي إِبْطَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا الْجَاهِلُونَ.

  وَيَلْزَمُ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ.

  فَيُقَالُ لَهُ: وَالْعَاقِلُ لَا يَبِيعُ الصَّاعَ الْجَيِّدَ الَّذِي يُسَاوِي صَاعَيْنِ مِنَ الرَّدِي بِصَاعٍ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ سَفَهٌ وَإِضَاعَةٌ لِلْجَوْدَةِ، سَوَاءٌ سَوَاء!

  وَقَدْ أَرْشَدَنَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ بِأَنْ يَبِيعَ الَّذِي مَعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مِنَ الآخَرِ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصَ.

  وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تَحْرِيمُ بَيْعِهَا إِلَّا بِجِنْسٍ آخَرَ، وَفِي هَذَا مِنَ الْحَرَجِ مَا تَنْفِيهِ الشَّرِيعَةُ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ يَشْتَرُونَ بِهِ مَا يَحْتَاجُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَالبَائِعُ لَا يَبِيعُهُ بِبُرٍّ مَثَلًا، أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ثِيَابٍ. إِلَى آخِرِ الْهَذَيَانِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ فِي إِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ.

  وَنَقُولُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَيُّ حَرَجٍ وَلَا سَفَهٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِِعُ الْحَكِيمُ، وأَرْشَدَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ÷ أَنْ يَبِيعَ الرَّدِيَّ ويَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ الْجيِّدَ، وَالأَجْنَاسُ كَثِيرَةٌ.

  وَأَيُّ حَرَجٍ فِي أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ مِنَ الذَّهَبِ أَو الْفِضَّةِ بِالْجِنْسِ الآخَرِ، وَكَذَا سَائِرُ الأَجْنَاسِ، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ وَلَا مُتَعَسِّرٍ، بَلْ مُتَيَسِّر.


(١) أي ابن القيم.