مع ابن القيم في زاد المعاد
  وَلَو كَانَ كَذَلِكَ لَمَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ ÷ بِبَيْعِ التَّمْرِ الرَّدِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ، بَلْ الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ هُوَ الدُّخُولِ فِي الرِّبَا الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ أَقْبِح أَنْواعِ الزِّنَا، وَفْيِه الدُّخُولُ فِي حَرْبِ اللَّهِ تَعَالَى.
  وَقَوْلُهُ: «وَالْحِيَلُ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ».
  يُقَالُ: أَمَّا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ مِنَ الْحِيَلِ كَبِيعِ ذَلِكَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَأَيُّ بُطْلَانٍ فِيهِ؟
  وَكَيْفَ يُقَالُ: الْحِيَلُ بَاطِلَةٌ، وَقَدْ شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَرَسُولُهُ ÷؟!
  وَحِيلَةُ الضِّغْثِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَكَيْفَ يُقَالُ: الْحِيَلُ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ؟!
  وَإِنَّمَا البَاطِلُ مَا كَانَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ، كَحِيلَةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَكَهَذِهِ الْحِيلَةِ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ذَهَبًا بِحِيلَةِ الصَّنْعَةِ، مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرِ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ فِي الْجِنْسِ الوَاحِدِ مِنَ التَّمْرِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ(١).
  وَلَا فَرْقَ قَطْعًا بَيْنَ الصَّنْعَةِ وَالْجَوْدَةِ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ.
  وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَالنُّصُوصُ الوَارِدَةُ عَنِ النَّبِيِّ ÷ لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي
(١) رَوَى الإمَامُ الأعْظَمُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ @ في (مجموعه) في (بَاب الصَّرْفِ مَعَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ $ قَالَ: (أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ÷ تَمْرٌ فَلَمْ يَرُدَّ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ لِبِلَالٍ: «دُونَكَ هَذَا التَّمْرَ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهُ».
قَالَ: فَانْطَلَقَ بِلَالٌ فَأَعَطَى التَّمْرَ مِثْلَيْنِ وَأَخَذَ مِثْلًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «ائتِنَا بِخَبِيئَتِنَا الَّتِي اسْتَخْبَأْنَاكَ»، فَلَمَّا جَاءَ بِلَالٌ بِالتَّمْرِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «مَا هَذَا الَّذِي اسْتَخْبَأْنَاكَ؟!»، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «هَذَا الْحَرَامُ الَّذِي لَا يَصْلُحُ أَكْلُهُ، انْطَلِقْ فَارْدُدْهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَمُرْهُ أَنْ لَا يَبِعْ هَكَذَا وَلَا يُبْتَاعُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالذُّرَةُ بِالذُّرَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى». ورواه الإمام الهادي إلى الحق # في (الأحكام) (٢/ ٣٨).
وروى البخاري برقم (٢٣١٢)، واللفظ له، ومسلم برقم (٤٠٨٣)، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ¥، قَالَ: «جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ ÷ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ÷: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟»، قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ ÷، فَقَالَ النَّبِيُّ ÷ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ»». والأخبار في هذا الباب كثيرة.