[الجواب عن قوله: «فإنهم الجميع قد اتفقوا على نفي الجبر، وعلى ثبوت الاختيار»]
  مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ لِكُلِّ القَبَائِحِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبحُ مِنْهُ قَبِيحٌ(١).
  وَالْكَسْبُ الَّذِي أَثْبَتُوهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى عَلَى التَّحْقِيقِ، وَكَذَا تِلْكَ القُدْرَةُ الْمُوجِبَةُ، الْمُقَارِنَةُ لِلْمَقْدُورِ، الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ، وَهْيَ الَّتِي يَعْنُونَ بِالاخْتِيَارِ.
  وَفِيمَا مَرَّ لِلمُؤَلِّفِ وَمَا يَأْتِي مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ التَّلْفِيقَاتِ الَّتِي يَتَكَلَّفُهَا، وَيَكْفِيكَ قَوْلُهُ فِي (صفح/٣٧٢): «وَتَسَمَّوا بِالسُّنِّيَّةِ، وَاتَّسَمُوا بِحُمَاتِهَا مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ، فَسَلَّمُوا لِأَعْدَاءِ الإِسْلَامِ نِسْبَةَ كُلِّ قَبِيحٍ مَذْمُومٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَجَمِيعَ أَفْعَالِهِ صَدَرَتْ مِنْهُ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَلَا عَاقِبَةٍ حَمِيدَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ الْعُصَاةَ لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يُثِيبُ الْمُحْسِنِينَ لِأَجْلِ الإِحْسَانِ، بَلْ تَصْدُرُ أَفْعَالُهُ عَنْهُ كَمَا تَصْدُرُ الْمَعْلُولَاتُ عَنْ عِلَلِهَا الْمُوجِبَةِ لَهَا، وَالاتِّفَاقِيَّاتُ وَالاخْتِيَارِيَّاتُ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِين، وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْمُحَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُمْكِنِ، وَأَمْثَال هَذَا مِمَّا لَمْ تَكُنِ الْمَلَاحِدَةُ تَطْمَعُ أَنْ يَمْضِيَ لَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ. فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ عَقَائِدِ هَؤُلاءِ الْحُمَاةِ عَنِ السُّنَّةِ وَالإِسْلَامِ، يُوصُونَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ عُمُومَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُوهِمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَلَولَا أَنَّ هَذَا قَدْ وَقَعَ مِنْهُم مَا كَانَ الْعَاقِلُ يُصَدِّقُ بِوُقُوعِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُم، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ». انْتَهَى، فَتَدَبَّرْ، فَهَذَا هُوَ عَيْنُ التَّحْقِيق، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيق.
  (٦) وَمِنْ (صفح/٢٩١) قوله: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرِيدٌ لِفِعْلِ جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هِدَايَةِ الْمُكَلَّفِينَ وَاللُّطْفِ بِهِمْ، بَل اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ اعْتِقَادِهِمْ وُجُوبَهُ عَلَيَهِ قَطَعُوا حِينَ لَمْ يَفْعَلْهُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ ...» إلخ.
  قُلْتُ: اعْلَمْ أَوَّلاً أَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الأَلْطَافِ هُمْ طَائِفَةٌ
(١) والبحث في هذا مستوفى في (لوامع الأنوار) للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # (الفصل الثاني) (ط ١/ ١/٢٣٥) (ط ٢/ ١/٣٠٦) (ط ٣/ ١/٤٨٣).