مع ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق
  مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا كُلُّهُم، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُم أَكْثَرُهُم، وَالوَاقِعُ أَنَّهُم لَيْسُوا بِأَكْثَرِهِم.
  وَلَا مَعْنَى لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِم بِأَنَّهُم قَالوُا: بِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَالْمَعْلُومُ أَنَّهُم إِنَّمَا قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَلِمَ أَنَّ اللُّطْفَ يَنْفَعُ فِيهِم لَفَعَلَهُ، وَإِنَّمَا لَا يَنْفَعُ فِيهِم؛ لِأَنَّهُم لَا يَقْبَلُونَهُ، وَاللُّطْفُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُكَلَّفُ مَعَهُ(١): أَقْرَبَ إِلَى أَدَاءِ مَا كُلِّفَهُ.
  وَقَدْ دَلَّتِ الآيَاتُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِيهِم شَيءٌ، لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ}[الأنعام ١١١]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ}[الأنعام ٢٨]، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
  وَمَتَى كَانُوا لَا يَخْتَارُونَ قَبُولَ اللُّطْفِ اسْتَحَالَ أَنْ يَنْفَعَ فِيهِم إِلَّا عَلَى جِهَةِ الإِجْبَارِ، وَهْوَ مَعْنَى {إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ}، فَإِنْ أَجْبَرَهُم لَمْ يَكُونُوا مُخْتَارِينَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَارِينَ مُجْبَرِينَ، وَالْمُحَالُ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مَقْدُورًا، فَمَا بَقِيَ عَلَى هَذَا إِلَّا تَأْوِيلُ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ ٩}[النحل]، عَلَى مَشِيئَةِ الإِلْجَاءِ.
  وَأَمَّا مَشِيئَةُ الاخْتِيَارِ، فَقَدْ شَاءَ ذَلِكَ قَطْعًا بِدَلَالَةِ أَوَّلِ الآيَةِ: {سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا}[الأنعام: ١٤٨](٢)؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبْطَلَ قَوْلَهُم،
(١) أي مع اللطف.
(٢) الآية بتمامها: {سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ ١٤٨}.
قال القاضي العلامة جعفر بن أحمد بن عبد السلام ¥ في (خلاصة الفوائد): «وهذه الآية تدل على فساد مذهب المجبرة من خمسة أوجه: أحدها: أن الله تعالى حكى صريح مذهبهم عن المشركين، ورد عليهم وكَذَّبَهم؛ بقوله: {كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ}.
والثاني: قوله: {حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ}، والبأس: العذاب، والعذاب لا يستحق إلا على فعل الباطل =