[بحث في تعداد الصفات التي أثبتها الأشعرية، والرد عليهم]
  قُلْتُ: اعْلَمْ أَنَّ القَوْلَ بِأَنَّ القُرْآنَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ذَاتِيَّةٌ، وَأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ وَسِتَّ صِفَاتٍ أَيْضًا قَدِيمَاتٍ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وَهُنَّ: الْعِلْمُ والْقُدْرَةُ وَالْحَيَاةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالإِرَادَةُ، وَأَنَّ الذَّاتَ الثَّامِنَةُ - هُوَ قَوْلُ الأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِم.
  وَهْوَ صَرِيحٌ فِي تَعَدُّدِ القُدَمَاءِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهْوَ يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الآلِهَةِ؛ لِلاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ؛ إِذ الْمُشَارَكَةُ فِي صِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ تُوجِبُ الْمُشَارَكَةَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ، وَالاشْتِرَاكَ فِي الذَّاتِ ضَرُورَةً.
  أَلَا تَرَى أَنَّ التَّحَيُّزَ - مَثَلًا - لَمَّا كَانَ صِفَةً ذَاتِيَّةً لِلْجِسْمِ اسْتَحَالَ أَنْ يُعْقَلَ جِسْمٌ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ، أَوْ غَيْرُ شَاغِلٍ لِلْمَحَلِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ.
  وَالإِلَهِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ قَطْعًا، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُوجَدَ قَدِيمٌ غَيْرُ إِلَهٍ.
  وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُسْكَةٌ فِي عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَالأُصُول، وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى دَلَائِلِ الْمَعْقُول، الَّتِي هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى إِثْبَاتِ الْمَنْقُول، لَا يُبَالُونَ بِمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الارْتِبَاك، وَالتَّوَرُّطِ فِي حَبَائِلِ الإِشْرَاك.
  هَذَا، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِمَامُ الْمُوَحِّدِينَ، وَصِيُّ الرَّسُولِ الأَمِينِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ الطَّاهِرِينَ: (وَإِنَّمَا كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِنًا، وَلَوْ كَانَ قَدِيمًا لَكَانَ إِلَهًا ثَانِيًا)، إِلَى آخِرِهِ.
  فَصِفَاتُهُ جَلَّ وَعَلَا إِنَّمَا هِيَ تَعْبِيرٌ عَنْ ذَاتِهِ الْمُقْدَّسِ عَنِ الأَشْبَاهِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ، قَادِرٌ بِذَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ ø مَعْنًى غَيْرُهُ.
  هَذَا هُوَ قَوْلُ عُلَمَاءِ التَّوْحِيدِ وَالعَدْلِ.
  وَأَمَّا غَيْرُهُم فَقَد انْقَسَمُوا طَوَائِفَ: فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ مَعَانِيَ كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَخْلُوقِ، - أَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ غَيْرِ ذَاتِهِ، وَقَادِرٌ بِقُدْرَةٍ غَيْرِ ذَاتِهِ إِلَى آخِرِهِ -، ثُمَّ تَخَبَّطُوا بَعْدَ ذَلِكَ:
  فَمِنْهُم: مَنْ جَعَلَهَا مَعَانِيَ قَدِيمَةً، وَلَمْ يُبَالوا بِلُزُومِ تَعَدُّدِ الآلِهَةِ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ.