[الرد على الرازي في استدلاله على جواز الرؤية بقوله تعالى {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ}]
  هَذِهِ الآيَةِ عَلَى حُصُولِ الرُّؤْيَةِ. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ لَطِيفٌ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ(١).
  وَلْيَس بَعْدَ هَذَا القَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الفَخْرُ الرَّازِي تَعْلِيقٌ لِأَحَدٍ، إِلاَّ السَّؤُالَ عَنْ عَقِيدَتِهِ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَنَفْيِ الوَلَدِ وَالشَّرِيكِ عَنْهُ، مَا دَامَ يَجْعَلُ مِنْ نَفْي الشَّيءِ دَلِيلاً عَلَى إِثْبَاتِهِ.
  وَبِمُوجَبِ هَذَا القَوْلِ فَإِنَّ لِلنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْتَزِعُوا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ} دَلِيلًا قَاطِعًا بِأَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا، وَأَنْ يُضِيفُوا إِلَى ذَلِكَ إِثْبَاتَ الصَّاحِبَةِ لَهُ تَعَالَى، بَلْ وَإِثْبَاتَ كُلِّ مَا نَفَاهُ عَنْهُ مِنَ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَاللُّغُوبِ وَالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، مَا دَامَ النَّفْيُ دَلِيلاً قَاطِعًا عَلَى الإِمْكَانِ، وَبِالتَّالِي عَلَى الإِثْبَاتِ.
  وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أَنْ يَكُونَ الفَخْرُ الَّذِي اتَّخَذَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} سُلَّمًا إِلَى القَطْعِ بِثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ؛ قَلْبًا لِلْحَقِيقَةِ، وَعَكْسًا لِلْحُجَّةِ، هُوَ
(١) قال القاضي العلامة ابن مداعس في (الكاشف الأمين شرح العقد الثمين) ص ٢٧٢/ط مكتبة أهل البيت (ع) في الرد على الرازي بعد كلام طويل: «وتحقيق المسألة: أنَّ المدح والتمدح بالنفي إن كان راجعًا إلى نفيِ وَصْفٍ عن الذات، كان إثباتُ نقيضِهِ نَقْصاً، ولا يُلاحَظُ في ذلك هل يَقْدِرُ على الاتِّصَاف بذلك أو لا يَقْدِرُ عليه؟ كالتَّمَدُّحِ بِنَفي الوَلَدِ وَالصَاحِبَةِ وَالسِّنَةِ وَالنَّومِ ونحوِ ذلك. وَإن كان بنفيِ فِعْلٍ فلا يكون نفيُهُ مدحًا إلَّا إذا كان الممدوح قادرًا على فعله، كالمدح بنفي الظلم والعبث والكذب ونحوه. فما ذكره الرازي من الاعتراض مغالطة، والأمر كما قيل:
مَنْ لَمْ يَكُنْ آلُ النَّبِيِّ هُدَاتَهُ ... لَمْ يَأْتِ فِيْمَا قَالَهُ بِدَلِيْلِ
بَلْ شُبْهَةٌ وَتَوَهُّمٌ وَخَيَالَةٌ ... وَمَقَالَةٌ تُنْبِي عَنِ التَّضلِيْلِ
وقال الشارح أيضًا: «أنَّ ذلك تمدحاً راجعاً إلى ذاته فهو معلوم، ونعني بذلك أن هذا التمدح مرجعه نفي وصف يتعلق بذاته من حيث أنه لا يرى فصار كالوصف بأنه لا يُمَثَّلُ، ولا يُكَيَّفُ، ولا يُطْعَمُ، ولا تأخذُهُ سنةٌ ولا نومٌ، وليس من باب التمدح بأمر راجع إلى فعله ككونه تعالى لا يظلم ولا يُظهر على غيبه أحدًا، ولا يُحبُّ الجهر بالسوء من القول.
والفرق بينهما: أنَّ ما كان مرجعه التمدح به إلى الذات؛ فإنه لا يصح نقيضه بأي حال كان، وما كان مرجع التمدح به إلى الفعل؛ فإنه قد يصح نقيضه أو ضده، ولذلك صح الاستثناء بقوله تعالى: {إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ}[الجن: ٢٧]، {إِلَّا مَن ظُلِمَۚ}[النساء: ١٤٨]، بخلاف الوصف بأنه لا يُمَثَّلُ ونحوه مما يعود إلى الذات، فلا يصح فيه استثناء ولا غيره مما يرفع ذلك الوصف نفيًا كان كما في الآية، أو إثباتًا كوصفه بأنه قادر وعالم وحي، وهذا واضح».