مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع الشوكاني في فتح القدير

صفحة 475 - الجزء 1

  الَّذِي يَقُولُ فِي تَأْصِيلاَتِهِ⁣(⁣١) بِأَنَّ دَلاَئِلَ الأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي لاَ تَتَجَاوَزُ الظَّنَّ، كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي قَوْلِهِ: دَلاَلَةُ الأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِيهَا ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَقْلِ اللُّغَاتِ، وَنَقْلِ الإِعْرَابَاتِ وَالتَّصْرِيفَاتِ، مَعَ أَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ تِلْكَ النَّاقِلِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا آحَادًا، وَرِوَايَةُ الآحَادِ لَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ.

  وَأَيْضًا، فَتِلْكَ الدَّلَائِلُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَدَمِ الاشْتِرَاكِ، وَعَدَمِ الْمَجَازِ، وَعَدَمِ النَّقْلِ، وَعَدَمِ الإِجْمَالِ، وَعَدَمِ التَّخْصِيصِ، وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ؛ فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ حُصُولِهِ يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ إِلَى الْمَجَازِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِقَادَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ ظَنٌّ مَحْضٌ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الظَّنِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ظَنًّا.

  فَانْظُرْ كَيْفَ يَجْعَلُ الفَخْرُ دَلاَلَةَ الأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَوضُوعَةِ لَهَا ظَنِّيَّةً، مَعَ جَعْلِهِ دَلَالَتَهَا عَلَى ضِدِّ تِلْكَ الْمَعَانِي قَطْعِيَّةً.

  وَالْخُلَاصَةُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّ دَلَالَةَ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى انْتِفَاءِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ دَلاَلَةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَكُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ القَائِلُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَتَجَاوَزُ أَنْ يَكُونَ ضَبَابًا مِنَ الوَهَمِ، لَا يَلْبَثُ أَنْ يَتَلَاشَى بِإِشْرَاقِ شَمْسِ الْحَقِيقَة.

  وَيُؤَيِّدُ نَصِّيَّتَهَا عَلَى ذَلِكَ تَذْيِيلُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣}؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {ٱللَّطِيفُ} كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ}، وَقَوْلَهُ: {ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣}، كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: {وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ}.

  وَالصِّفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ تَعَالَى لَا تَتَبَدَّلَانِ أَزَلًا وَأَبَدًا، أَمَّا الْخَبِيرُ، فَكَوْنُهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَلِيمِ، وَأَمَّا اللَّطِيفُ؛ فَلأَنَّهُ كَمَا يَقُولُ الإِمَامُ ابْنُ عَاشُور: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهْيَ صِفَةُ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ إِحَاطَةِ العُقُولِ بِمَاهِيَّتِهِ، أَوْ إِحَاطَةِ الْحَوَاسِّ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.


(١) انظر: (المحصول في علم أصول الفقه) للرازي (١/ ٣٩٠). ط: (مؤسسة الرسالة).