مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع الشوكاني في فتح القدير

صفحة 476 - الجزء 1

  فَيَكُونُ اخْتِيَارُهَا لِلتَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الوَصْفِ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُنْتَهَى الصَّرَاحَةِ وَالرَّشَاقَةِ فِي الْكَلِمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مَادَّةٍ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُقَرِّبُ مَعْنَى وَصْف ذَاتِهِ تَعَالَى بِحَسبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ اللُّغَةُ مِنْ مُتَعَارَفِ النَّاسِ.

  قَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى #: {لَن تَرَىٰنِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]؛ فَإِنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِزَمَانٍ، وَلَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، فَلَو حَصَلَتِ الرُّؤْيَةُ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ أَزْمَانِ الدُّنْيَا أَوِ الآخِرَةِ، لَكَانَ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِصِدْقِ هَذَا الْخَبَرِ.

  وَتَتَأَكَّدُ دَلَالَةُ هَذَا النَّصِّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِانْدِكَاكِ الْجَبَلِ الَّذِي عُلِّقَتِ الرُّؤْيَةُ عَلَى اسْتِقْرَارِهِ انْدِكَاكًا هَائِلًا، لِيَكُونَ آيَةً بَيِّنَةً تَسْتَأْصِلُ أَطْمَاعَ الْمُتَطَاوِلِينَ عَلَى اللَّهِ بِطَلَبِ أَوْ تَمَنِّي مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَيَتَنَافَى مَعَ كِبْرِيَائِهِ.

  وَقَدْ وَضَحَ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ صُبْحُ الْحَقِّ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ، فَلَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهَا؛ لِأَنَّهَا إِحْدَى الْمُسْتَحِيلَاتِ. انْتَهَى.

  قُلْتُ: وَهَذَا كَلَامٌ مَتِين، وَاسْتِدْلَالٌ رَصِين، وَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِن، وَاللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيق.

  ******