[استدلال الجمهور بالإجماع على التخصيص بالآحاد، والجواب عنه]
  قال [الشيخ لطف الله]: وهذا الدليلُ كما تَرَى يَعُمُّ العِلْميَّ والعَمَليَّ، فيُنْظَرُ ما وجه المخصِّصِ بالعِلْمي». إلخ.
  قلتُ: لله أنت، لا وجهَ له إلَّا أنَّه قد بَدَا لهم فيه الاحتمال - بزعمهم - لكثرةِ التخصيص، وهو لازمٌ لهم في العِلْمِيِّ عَلَى سَواء.
[استدلال الجمهور بالإجماع على التخصيص بالآحاد، والجواب عنه]
  وقد اسْتدلوا عَلَى ذلك بالإجماعِ من السَّلَفِ عَلَى التخصيصِ بالآحاد(١).
  والجواب: أنَّ مُسْتَنَدَهُم في حكايته كما قَرَرَّوهُ الاستدلالُ عليه بأنَّهُم خَصَّصوا نحو قولِهِ تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ}[النساء ٢٤]، بحديث النهي عن نكاحِ المرأةِ عَلَى عَمَّتِهَا وخالتها(٢)، وعدَّدوا من هذا القَبيل صُورًا مُجْمَعًا عَلَى تخصيصِهَا مِن عموم الكتاب(٣)، ولا طريقَ إلى كَوْنِ التخصيص بها وحدها.
  سلَّمْنَا، فمن أين لهم أَنَّهَا رُوِيَتْ للسلفِ بطريقِ الآحاد؟، ولم لا تكونُ متواترةً لهم، ومتلقاةً بالقَبول؟
  ولا يقال: لأنَّهَا لو كانت متواترةً أو كان التخصيصُ بغيرها لَنُقِلَ.
  لأنَّا نقول: الإجماعُ قد أَسْقَطَ مَؤونَةَ نَقْلِهَا، وأَغنى عن التَّعَرُّضِ للاستدلال بِهَا وبغيرها، وقد نَصَّ الكلُّ بأنَّه إذا أُجْمِعَ عَلَى الْحُكْمِ سَقَطَ وجوبُ البَحْثِ عَن الْمُسْتَنَد.
  فإن قيل: إنَّهُم أَجمعوا عَلَى التخصيصِ مستندين إليها وهي آحاد.
  قيل: هذه دعوى ممنوعة غيرُ مَسموعة، فهلمَّ الدليل، وليس إليه من سبيل، غايتُهَا حكاياتٌ لا تفيدُ الظنَّ فضلًا عن العِلْم، وقد بَيِّنَّا أَنَّ أصلَهَا مُنْهَارٌ، ولم
(١) والبحث مستوفى في شرح الغاية (٢/ ٣١٢).
(٢) روى الإمام الأعظمُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ في مجموعه الشريف (ص/٣٠٦)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ $ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، لَا الصُّغْرَى عَلَى الكُبْرَى، وَلَا الكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى».
(٣) من ذلك: آيات المواريث؛ فإنها مخصوصةٌ بما جاء في السنة من (موانع الإرث) نحو: «لا يرث القاتل شيئًا»، وفي رواية: «ليس لقاتل ميراث».
ومن ذلك حديث: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر»، وغير ذلك.
والبحث في هذا مستوفى في شرح الغاية (٢/ ٣١٣)، وكافل الطبري (٢/ ٢٢٧).