مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في القضاء والقدر]

صفحة 601 - الجزء 1

  لِلْكُفْرِ كُفْرٌ قَطْعًا، وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

  وَالْمُجْبِرَةُ وَإِنْ كَانَ هَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ فَلَا يَتَجَاسَرُونَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ هَذَا التَّصْرِيح، وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُمْ بِهِ إِلْزَامًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الرِّضَاءُ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَهُ بِمَعَنى خَلَقَهُ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ.

  وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَيْ بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْفَسَادِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا -.

  وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ وَالْمَشِيئَةَ وَالإِرَادَةَ الَّتِي ضَلَّتِ الْمُجْبِرَةُ فِيهَا، بِسَبَبِ جَهْلِهِم بِعَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ، وَجَهْلِهِم لِمَعَانِيهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلُغَةِ العَرَبِ، فَلَهَا مَعَانٍ صَحِيحَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

  فَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ بِمَعْنَى: الْعِلْمِ وَالإِعْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ}⁣[الإسراء: ٤]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ}⁣[المؤمنون: ١٨]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ}⁣[الشورى: ٢٧].

  وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ الإِيمَانُ بِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، أَيْ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ.

  وَلَا يَجِبُ وَلَا يَجُوزُ الرِّضَاءُ وَالإِيمَانُ بِكُلِّ شَيءٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، أَيْ عَلِمَهُ أَوْ أَعْلَمَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِمَّا عَلِمَهُ وَأَعْلَمَ بِهِ تَعَالَى: الْكُفْرَ وَالْفَسَادَ وَجَمِيعَ الْمَعَاصِي، وَلَا يَرْضَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ ø: {وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ}⁣[الزمر: ٧]، {وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥}⁣[البقرة]، {وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٨}⁣[آل عمران]، {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ}⁣[البقرة: ١٨٥].

  وَلَيْسَ مِنَ الْيُسْرِ أَنْ يُدْخِلَنَا فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تُوجِبُ النَّارَ، بَلْ مِنَ الْعُسْرِ.

  وَكَيْفَ يَأْمُرُنَا بِالرِّضَا بِهَا، وَهْوَ ø يَقُولُ: {وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ