مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في المشيئة والإرادة]

صفحة 602 - الجزء 1

  ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ}⁣[الحجرات ٧].

  وَفَرْقٌ وَاضِحٌ لِمَنْ عَقَلَ بَيْنَ الإِيمَانِ وَالرِّضَاءِ بِالْقَدَرِ وَالْقَضَاءِ بِمَعْنَى العِلْمِ وَالإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ الإِيمَانِ وَالرِّضَاءِ بِالْمَعْلُومِ، الَّذِي هُوَ مِنَ الْعِبَادِ.

  فَالَّذِي هُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ، وَالَّذِي هُوَ مِنَ الْعِبَادِ مَا كَانَ خَيْرًا يَجُوزُ الرِّضَاءُ بِهِ، وَمَا كَانَ شَرًّا لَا يَجُوزُ الرِّضَاءُ بِهِ.

  وَالْمَعْلُومُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ وَلَا قَدَرٍ، إِنَّمَا هُوَ مَقْضِيٌّ وَمُقَدَّرٌ، أَيْ مَعْلُومٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.

  وَمِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ: الأَمْرُ وَالْحُكْمُ، قَالَ تَعَالَى: {۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ}⁣[الإسراء: ٢٣]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ}⁣[غافر: ٢٠].

  وَالْمَعْلُومُ قَطْعًا وَإِجْمَاعًا: أَنَّ الفَسَادَ وَجَمِيعَ الْمَعَاصِي، وَمِنْ أَقْبَحِهَا قَتْلُ الْحُسَيْنِ السِّبْطِ # لَا يَجُوزُ الرِّضَاءُ بِهَا وَلَا الْمَحَبَّةُ لَهَا، فَلَيْسَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، أَيْ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ.

  وَمِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ: الْخَلْقُ قَالَ تَعَالَى: {فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ}⁣[فصلت ١٢].

  وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ الْمُجْبِرَةُ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ مَا فِي الوُجُودِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُهُ، فَكُلُّ كُفْرٍ وَفَسَادٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ خَلْقِه.

  فَيَلْزَمُهُم الرِّضَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الرِّضَاءُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

[بحث في المشيئة والإرادة]

  وَأَمَّا الْمَشِيئَةُ وَفِي مَعْنَاهَا الإِرَادَةُ: فَالتَّحْقِيقُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْعَدْلُ وَالنَّقْلُ وَاللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ أَنَّهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

  مَشِيئَةُ حَتْمٍ (قَسْرٍ) وَإِجْبَارٍ، وَمَشِيئَةُ رِضًا وَاخْتِيَارٍ.

  فَأَمَّا مَشِيئَةُ الْحَتْمِ وَالإِجْبَارِ: فَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ كَانَ، وَهْيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ