مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في المشيئة والإرادة]

صفحة 603 - الجزء 1

  ø: {وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ}⁣[يونس: ٩٩].

  أَيْ لَوْ شَاءَ أَنْ يُكْرِهَهُم عَلَى الإِيمَانِ لآمَنُوا كُلُّهُم، وَلِذَا قَالَ ø: {أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩}⁣[يونس]؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِكْرَاهِهِم جَبْرًا وَقَسْرًا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ أَجْبَرَهُم لَبَطَلَ التَّكْلِيفُ، وَلَمَا اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ وَلَا الْعِقَاب.

  وَأَمَّا مَشِيئَةُ الاخْتِيَارِ: فَقَدْ شَاءَ مِنَ الْعِبَادِ كُلِّهِم الإِيمَانَ.

  وَلِذَا رَدَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَوْلَهُم: {لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا}⁣[الأنعام ١٤٨]، وَكَذَّبَهُم، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُم بِذَلِكَ مِنْ سُلْطَانٍ.

  وَلَولَا اخْتِلَافُ الْمَشِيئَتِينِ لَتَنَاقَضَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ.

  فَنَقُولُ: لَوْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُم جَبْرًا وَقَسْرًا مِنْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ السِّبْطِ # وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ لَمَنَعَهُم؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَلَكِنْ قَضَتْ حِكْمَتُهُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ لَهُم إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ.

  وَحَاشَا اللَّهَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ يَرْضَى أَوْ يُحِبَّ أَوْ يُرِيدَ قَتْلَ أَوْلِيَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ {وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٨}⁣[آل عمران]، {وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥}⁣[البقرة].

  وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْكِتَابُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالدَّسَائِسِ، لَا تَخْفَى عَلَى الْمُسْتَبْصِرِ، فَتَدَبَّرْ وَكُنْ عَلَى حَذَر، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيد.

  قَالَ: كَتَبَ الْمُفْتَقِرُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ: مَجْدالدِّين بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمُؤَيَّدِيُّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُم وَلِلْمُؤْمِنِينَ - (٢٣ - مِنْ شَعْبَان الوَسِيم) (سَنَةَ ١٤١٢ هـ)، بِجدَّة، عُجَالَةً عَلَى ظَهْرِ السَّفَرِ.