مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[استدلال الجمهور بكثرة المخصصات في العمومات العملية، والجواب عنه]

صفحة 60 - الجزء 1

  قِيلَ لَهُ: يُرَجَّحُ اسْتِعْمَالُنَا؛ بِقُوَّةِ خَبَرِنا؛ إِذْ لاَ إِشْكَالَ أَنَّ قَوْلَهُ ÷: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ» أَقْوَى وَأَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ الْخُضْرَوَاتِ». انتهى.

  وَغَيْرُ ذلك مِمَّا اشْتَمَلَتْ عليه قواعدُهُم المعروفة، وطرائقُهُم المألوفة، وغَرَضُنَا التمثيلُ لا التطويل.

  والعَجَبُ مِن المولَى الحسينِ بْنِ القاسم @(⁣١)! كيفَ لَمْ يَنْسب الخلافَ في جَواز التخصيصِ للكتابِ والمتواترِ إِلَّا عن (الحنابلةِ) بحكايةِ أَبي الخَطَّاب، وعَن (المعتزلة) بحكاية الغزالي، وعن طائفةٍ من المتكلمين والفقهاء بحكايةٍ عن ابْنِ بُرْهَان، وعن طائفةٍ من أهلِ العراق، ولم يَرْفَع لخلافِ والدِهِ الإمامِ القاسمِ # رأسًا، ولا رَأَى في إلغائِهِ عن الحكايةِ مع جُمْلَةِ المخالفين بأسًا، وهو يَمْنَعُ من ذلك أَشَدَّ المنع، كما صَرَّح بذلك في كتابه (الاعتصام).

  وقال في الجوابِ على الخصوم: «وَالْجَوَابُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ: أَنَّ الْقُرآنَ مَعْلُومُ الْمَتْنِ، وَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِظَاهِرِهِ، وَالْحَمْلُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمُخَصِّصُ لَهُ، وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ ذَلكَ، وَالْحَدِيثُ الآحَادِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ وَلاَ لَفْظُهُ كَذَلِكَ»، إلى أن قال:

  «قَالُوا: الظَّنُّ كَافٍ فِي صِحَّتِهِ⁣(⁣٢).

  قُلْنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: ذَلِكَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ}⁣[يونس ٣٦]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ}⁣[الحجرات ١٢]، فَأَنَّى لَهُمْ أَنَّ الظَّنَّ كَافٍ، وَالْقُرآنُ يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِن الدِّينِ ضَرُورَةً، مَا لَمْ يَظْهَرِ النَّاسِخُ وَالْمُخَصِّصُ، وَتَحْكِيمُ الْقُرآنِ عَلَى الْحَدِيثِ الآحَادِيِّ أَوْلَى مِن الْعَكْسِ؛ لأَنَّهُ مِمَّا عُلِمَ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ ÷ ضَرُورَةً، وَأَنَّهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٤٤} الآيَةَ [المائدة]


(١) شرح الغاية (٢/ ٣١١)، وكذا الطبري كما في (شرح الكافل) (٢/ ٢٢٠).

(٢) أي صحة العمل بموجبه.