كتاب فصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب
  وَنَحْوَهَا؛ وَلأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ مَعْنَى الْقُرآنِ الْمَظْنُونِ - بِزَعْمِهِمْ - وَالْحَدِيثُ الآحَادِيُّ الْمَظْنُون، فَالْعَقْلُ يَقْضِي ضَرُورَةً أَنَّ مَعْنَى الْقُرآنِ الْمَذْكُورِ أَرْجَحُ، وَتَرْجِيحُ مَا ذَلِكُمْ شَأنُهُ مُجَرَّدُ تَحَكُّمٍ». انْتَهَى كَلَامُهُ #.
  وأَقول: إنَّ مَنْ تَصَفَّحَ استدلالاتِ أعلامِ الأَئِمَّة، وهداةِ هذه الأُمَّةِ كالإمامِ القاسمِ نجمِ آلِ الرسول، وسِبْطِهِ الهادي إِلى الحقِّ À، واطَّلَع عَلَى مَعِينِ عِلْمِهِم المخزون، وتَرَوَّى من سَلسبيلِ نَمِيرِهِم المكنون، عَلِمَ أَنَّهُم مُخَيِّمُونَ عَلَى عُمومِ الكتابِ وخُصوصِه، واقفونَ عند إشاراتِهِ ونُصوصِه، قد أَمْكَنوه زِمَامَهم، وجعلوه رائدَهُم وإمامَهُم، يَحلون حيثُ حَلّ، ويَنْزلون حيثُ نَزَل، كما قال بمعناه والدُهُم سيِّدُ الوصيين À(١)، فهم: لا يَبْغُونَ عَنْهُ حِوَلًا، وَلا يَبْتَغُونَ بِهِ بَدَلاً، وَلا غَرْوَ فَهُمْ قُرَنَاؤُهُ وَأُمَنَاؤُهُ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الحَوْضِ.
  نعم، وبعدَ التقريرِ لِمَا صَحَّ في هذا الأَصْل(٢) باحثتُ كثيرًا من علماءِ العَصْر فوجدتُ الأغلبَ يميلُ إلى كلامِ الجمهورِ إلَّا المولى العلامةَ الأوحدَ إمامَ التحقيق، ونبراسَ أَربابِ التدقيق، شرفَ الدين الوليَّ بْنَ الوليِّ الحسنَ بْنَ الحسينِ الحوثيَّ حَمَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، فإنِّي راجعتُهُ في ذلك، فَقَرَّرَ ما بَيَّنْتُهُ في هذا الأَصْل.
  ومَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَذْهَبَ هذا المذهبُ عن قولِ طائفةٍ في كلِّ عَصْرٍ من حُمَاة التنْزِيل، وَوُعَاة التأويل، وإن كان قد قال بخلافه ثُلَّةٌ من شموس الهداية، وأقمار الدراية.
  ولا يُعْتَرَضُ عَلَى ذلك أَنَّهُم كلّهم يُخَصِّصونَ الآياتِ القرآنية، وقد لا يستدلونَ إلَّا بخبرٍ أو نحوِهِ لا يفيدُ القَطْع؛ لأَنَّا نقول: لا طريقَ إلى كَوْنِ التخصيصِ [هو] بالْخَبَرِ الآحَاديِّ عَلَى انْفِرَادِه، ثم مِن أَين لكم العِلْمُ بأنَّه عندهم غيرُ معلوم، بل يَكفي في قَطْعِيَّتِهِ تَلَقِّيهِ بين الْعِتْرَةِ والأُمَّة، عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ إذا كان
(١) ولفظُهُ في مَتْنِ النهج المطبوع: (قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ، وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ).
(٢) وهو عدم صحة التخصيص للعمومات من القرآن، والمتواترِ من السُّنَّة بأَخبارِ الآحادِ الصحيحة، وستقف على رجوع مولانا الإمام المؤلِّف (ع) عنه قريبًا.